ومقتضى هذه الأخبار استقرار أمر الكتابة، ويقوم ما كوتب عليه من الخبر والخنازير عند عارفيه من أهل الاسلام أو من غيرهم مع الائتمان ويدفعه المكاتب مثل ما يدفع ما لو كان مكاتبا على مال مستحل من الدارهم والدنانير ونحوها ولا تبطل المكاتبة بالاسلام مع لزومها وإنما يتمول مالها إلى ذلك، وأما ما قبض منه حال كفره فليس عليه بدل.
(ومنها) أنه يعتبر في المملوك البلوغ وكمال العقل، فلو كان غير بالغ أو عاقل لم تنعقد مكاتبتهما، فإن تولى السيد الطرفين وإن كان له ولاية عليهما بأن الشرائط هنا معتبرة في الطرفين ولقوله تعالى " والذين يبتغون الكتاب " والصبي والمجنون لا ابتغاء لهما، ولأن مقتضى الكتابة وجوب السعي وإن كان ملك المال وهو لا يتأتى في حقهما، وكذا إن يعلم فيه خيرا ولا خير في الصغير ولا المجنون لعدم الاعتداد بإيمانهما.
وقد تنظر ثاني الشهيدين في الاستدلال بالآية على ذلك، لأن الابتغاء شرط في الأمر بالمكاتبة الذي هو عبارة عن استحبابها ورجحانها، فلا يلزم منه المنع منها عدم الأمر وعدم الابتغاء، واقتضاء الكتابة وجوب السعي موضع الخلاف كما قدمنا لكن الوجوب مشروط بالتكليف فجاز الحكم بعدم وجوبه على غير المكلف كذلك، إذ الدليل على وجوبها ليس منافيا لذلك. وربما قيل إنه إجماع فيكون هو الحجة، وحق أن الحجة هو الحجر من الشارع على الصغير والمجنون، وحكمه بفساد معاملته إلى البلوغ والرشد لأن الكتابة داخلة في الأخذ والعطاء المعلق صحتهما في الأخبار على البلوغ والرشد وهو شامل للحر والعبد. وأما جواز المكاتبة من ولي اليتيم لعبده لحصول الغبطة والمصلحة، ولصحيحة معاوية بن وهب، ولأن المباشر لها الولي واستكمال الشرائط من الطرفين.
(ومنها) اشتراط الاسلام في المكاتب، وقد تقدم أنه موضع خلاف وكلام، وقد استظهر جماعة المنع لقوله تعالى " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " وهذه المسألة