(أحدهما) اتباع السلف ومن عهد النبي صلى الله عليه وآله وبعده، فإنهم لا يأتون بالكتابة إلا بعوض مؤجل، فكأنه إجماعي.
(والثاني) أنه لولا التأجيل لثبت الحلول فتتوجه المطالبة في الحال وهو عاجز عن الأداء حينئذ فيكون كالسلم في شئ لا يوجد عند الحلول، ولأنه لا بد من ضرب أجل لئلا يتطرق الجهالة الداخلة في الضرر المنهي عنه.
وفيهما نظر لمنع الاجماع على ذلك، ونقل أفراد خاصة لا يقتضي كون جميع ما وقع كذلك. سلمنا. لكن لا يلزم من ذلك بطلان غيره، فإن الاجماع المعتبر في الاستدلال على مثل ذلك هو اتفاقهم على بطلان المتنازع فيه لا عدم استعمالهم له، ولا يلزم من عدم ملكه في الحال على تقدير تسليم عجزه عن الايفاء مطلقا لامكان ملكه عاجلا ولو بالاقتراض، بل قد يوصي له بمال ولو قبل الكتابة ويموت الموصي قبل عقد الكتابة أو يوهب منه عقيب العقد أو يتبرع عنه متبرع فلا يتحقق العجز، وقد يفرض جريان عقد الكتابة على قدر من الملح وهما على مملحة فيمكنه تسليم الملح عقيب عقد الكتابة ولا يلزم البطلان في الحال مطلقا.
وأجيب عنه بأن قبول الوصية والهبة لا بد وأن يتأخر عن قبول الكتابة فيكون العوض لازما قبل القدرة والتمكن، وقد لا يتيسر القبول، والملح لا يملك ما لم يأخذه، والأخذ متأخر عن الكتابة، وقد يعوق عنه عائق.
والحق أن مثل هذه التعاليل لا تصلح قادحا في صحة العقود الشرعية التي جاءت الأخبار بإطلاقها في صحتها من غير شرط شئ، ومن ثم ذهب شيخ الخلاف وابن إدريس إلى جوازها حالة للأصل ولعموم قوله تعالى " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " خصوصا على القول بأنها بيع خالص أو عتق بعوض فإنهما لا يتوقفان على الأجل وإنما يتوجه القولان المذكوران على القول بكونها مستقلة.
ولو ملك شقصا من عبد باقية حر فكاتب ما يملكه منه حالا ففي صحته وجهان مبنيان على الوجهين السابقين. فعلى الأول لا يصح اتباعا لما جرى عليه