وقدح ثاني الشهيدين في كل من الروايتين بضعف طريقهما، ثم إنه أجاب عنهما بأنهما منجبران بالصحة أو الاجماع، وهذا بناء على الاصطلاح الجديد وعلى عدم الموثق في الضعيف، وقد فرقوا بين الإباق والارتداد حيث لم يكن الارتداد مبطلا للتدبير مع اشتراكهما في معصية المولى، وكون الثاني أقوى من حيث إن معصية الله تعالى أعظم، إلا أن الإباق لما كان يقتضي معصية المولين معا والمولى الآدمي محتاج إلى خدمته فقوبل بنقيض مقصوده حيث قوتها عليه بخلاف معصية الله تعالى بالارتداد فإنه غني عنه ولا تعلق لذلك بالمولى المحتاج، وهو تعليل متكلف مع النص الذي هو الأصل في الحكم وينتقض بإباقه من عند المخدوم الذي علق تدبيره على موته فإنه لا يبطل بإباقه كما سيجئ وتقدم أيضا مع اشتراكهما في الحاجة، وإنما الفارق النص. وعلى هذا فلا يبطل تدبير المملوك الارتداد إلا أن يلتحق بدار الحرب فيبطل للإباق، ولو مات مولاه قبل الالتحاق تحرر.
وبالجملة: أن المشهور بين علمائنا - حتى كان أن يكون إجماعيا إلا من الإسكافي على ما سيجئ - أن الارتداد لا يبطل التدبير مطلقا وإن حكم بقتله للأصل ما لم ينظم إليه الإباق بأن يلتحق بدار الحرب فيبطل من حيث الإباق كما تقدم.
وخالف الإسكافي في حيث اكتفى في بطلان تدبيره بأحد أمرين: ارتداده أو التحاقه بدار الحرب، فيبطل من حيث الإباق والارتداد معا. وكلاهما ممنوع، إذ لا دليل على البطلان بمجرد الارتداد، وإلحاقه بالإباق قياس مع وجود الفارق كما أشرنا إليه في السابق من حاجة المولى وغناء الله تعالى، والتحاقه بدار الحرب لا يشترط انضمام الأسير إليه كما اشترطه هو في الالتحاق بدار الحرب في كلامه لكون الإباق علة مستقلة للبطلان. فعلى هذا لو مات مولاه بعد ارتداده وقبل فراره إلى دار الحرب أو إباقه بغيره تحرر لوجود المقتضي للعتق، فإن قتل قبل مولاه من حيث الارتداد بطل، كما لو مات حتف أنفه.