إن ابيض القار تغلبني، قال الله تعالى: * (فإن استقر مكانه فسوف تراني) * (الأعراف: 143) ولم يوجد الاستقرار ولا الرؤية، فعلم أن دلالته على النفي أتم، فإن مدلوله إلى مدلول ما أقرب فاستعمل أحدهما مكان الآخر هذا هو الظاهر، وما يقال إن وما، حرفان نافيان في الأصل، فلا حاجة إلى الترادف. المسألة الثانية: هو ضمير معلوم أو ضمير مذكور، نقول فيه وجهان أشهرهما: أنه ضمير معلوم وهو القرآن، كأنه يقول: ما القرآن إلا وحي، وهذا على قول من قال النجم ليس المراد منه القرآن، وأما على قول من يقول هو القرآن فهو عائد إلى مذكور والوجه الثاني: أنه عائد إلى مذكور ضمنا وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه وذلك لأن قوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى) * (النجم: 3) في ضمنه النطق وهو كلام وقول فكأنه تعالى يقول وما كلامه وهو نطقه إلا وحي وفيه وجه آخر أبعد وأدق، وهو أن يقال قوله تعالى: * (ما ضل صاحبكم) * قد ذكر أن المراد منه في وجه أنه ما جن وما مسه الجن فليس بكاهن، وقوله * (وما غوى) * أي ليس بينه وبين الغواية تعلق، فليس بشاعر، فإن الشعراء يتبعهم الغاوون، وحينئذ يكون قوله * (وما ينطق عن الهوى) * ردا عليهم حيث قالوا قوله قول كاهن وقالوا قوله قول شاعر فقال ما قوله إلا وحي وليس بقول كاهن ولا شاعر كما قال تعالى: * (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون) * (الحاقة: 41، 42).
المسألة الثالثة: الوحي اسم أو مصدر، نقول يحتمل الوجهين، فإن الوحي اسم معناه الكتاب ومصدر وله معان منها الإرسال والإلهام، والكتابة والكلام والإشارة والإفهام فإن قلنا هو ضمير القرآن، فالوحي اسم معناه الكتاب كأنه يقول، ما القرآن إلا كتاب ويوحى بمعنى يرسل، ويحتمل على هذا أيضا أن يقال هو مصدر، أي ما القرآن إلا إرسال وإلهام، بمعنى المفعول أي مرسل، وإن قلنا المراد من قوله * (إن هو) * قوله وكلامه فالوحي حينئذ هو الإلهام ملهم من الله، أو مرسل وفيه مباحث: البحث الأول: الظاهر خلاف ما هو المشهور عند بعض المفسرين وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق إلا عن وحي، ولا حجة لمن توهم هذا في الآية، لأن قوله تعالى: * (إن هو إلا وحي يوحى) * إن كان ضمير القرآن فظاهر وإن كان ضميرا عائدا إلى قوله فالمراد من قوله هو القول الذي كانوا يقولون فيه إنه قول شاعر، ورد الله عليهم فقال: ولا بقول شاعر وذلك القول هو القرآن، وإن قلنا بما قالوا به فينبغي أن يفسر الوحي بالإلهام.
البحث الثاني: هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتهد وهو خلاف الظاهر، فإنه في الحروب اجتهد وحرم ما قال الله لم يحرم وأذن لمن قال تعالى: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) *، نقول على ما ثبت لا تدل الآية عليه.
البحث الثالث: بحث يحتمل أن يكون من وحي يوحى ويحتمل أن يكون من أوحى ييوحى، تقول عدم يعدم، وأعدم يعدم وكذلك علم يعلم وأعلم يعلم فنقول يوحى من أوحى لا من وحى، وإن كان وحي وأوحى كلاهما جاء بمعنى ولكن الله في القرآن عند ذكر المصدر لم يذكر