في اقتتال الطائفتين أو أشد منهما، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: * (وإن) * إشارة إلى ندرة وقوع القتال بين طوائف المسلمين، فإن قيل فنحن نرى أكثر الاقتتال بين طوائفهم؟ نقول قوله تعالى: * (وإن) * إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يقع إلا نادرا، غاية ما في الباب أن الأمر على خلاف ما ينبغي، وكذلك * (إن جاءكم فاسق بنبأ) * (الحجرات: 6) إشارة إلى أن مجيء الفاسق بالنبأ ينبغي أن يقع قليلا، مع أن مجيء الفاسق بالنبأ كثير، وقول الفاسق صار عند أولي الأمر أشد قبولا من قول الصادق الصالح.
المسألة الثانية: قال تعالى: * (وإن طائفتان) * ولم يقل وإن فرقتان تحقيقا للمعنى الذي ذكرناه وهو التقليل، لأن الطائفة دون الفرقة، ولهذا قال تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) * (التوبة: 122).
المسألة الثالثة: قال تعالى: * (من المؤمنين) * ولم يقل منكم، مع أن الخطاب مع المؤمنين لسبق قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) * (الحجرات: 6) تنبيها على قبح ذلك وتبعيدا لهم عنهم، كما يقول السيد لعبده: إن رأيت أحدا من غلماني يفعل كذا فامنعه، فيصير بذلك مانعا للمخاطب عن ذلك الفعل بالطريق الحسن، كأنه يقول: أنت حاشاك أن تفعل ذلك، فإن فعل غيرك فامنعه، كذلك ههنا قال: * (وإن طائفتان من المؤمنين) * ولم يقل منكم لما ذكرنا من التنبيه مع أن المعنى واحد. المسألة الرابعة: قال تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * ولم يقل: وإن اقتتل طائفتان من المؤمنين، مع أن كلمة * (إن) * اتصالها بالفعل أولى، وذلك ليكون الابتداء بما يمنع من القتال، فيتأكد معنى النكرة المدلول عليها بكلمة * (إن) * وذلك لأن كونهما طائفتين مؤمنتين يقتضي أن لا يقع القتال منهما، فإن قيل فلم لم يقل: يا أيها الذين آمنوا إن فاسق جاءكم، أو إن أحد من الفساق جاءكم، ليكون الابتداء بما يمنعهم من الإصغاء إلى كلامه، وهو كونه فاسقا؟ نقول المجيء بالنبأ الكاذب يورث كون الإنسان فاسقا، أو يزداد بسببه فسقه، فالمجئ به سبب الفسق فقدمه. وأما الاقتتال فلا يقع سببا للإيمان أو الزيادة، فقال: * (إن جاءكم فاسق) * أي سواء كان فاسقا أو لا أو جاءكم بالنبأ فصار فاسقا به، ولو قال: وإن أحد من الفساق جاءكم، كان لا يتناول إلا مشهور الفسق قبل المجيء إذا جاءهم بالنبأ. المسألة الخامسة: قال تعالى: * (اقتتلوا) * ولم يقل: يقتتلوا، لأن صيغة الاستقبال تنبئ عن الدوام والاستمرار، فيفهم منه أن طائفتين من المؤمنين إن تمادى الاقتتال بينهما فأصلحوا، وهذا لأن صيغة المستقبل تنبئ عن ذلك، يقال فلان يتهجد ويصوم.
المسألة السادسة: قال: * (اقتتلوا) * ولم يقل اقتتلا، وقال: * (فأصلحوا بينهما) * ولم يقل بينهم، ذلك لأن عند الاقتتال تكون الفتنة قائمة، وكل أحد برأسه يكون فاعلا فعلا، فقال: * (اقتتلوا) * وعند العود إلى الصلح تتفق كلمة كل طائفة، وإلا لم يكن يتحقق الصلح فقال: * (بينهما) * لكون