متبع للوحي فلم لم يصرح به؟ نقول بيان نفي الشيء مع بيان دليل النفي أتم من بيانه من غير دليل، والجملة الشرطية بيان النفي مع بيان دليله فإن قوله (ليس فيهما آلهة) لو قال قائل: لم قلت إنه ليس فيهما آلهة يجب أن يذكر الدليل فقال: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) فكذلك ههنا لو قال لا يطيعكم، وقال قائل لم لا يطيع لوجب أن يقال لو أطاعكم لأطاعكم لأجل مصلحتكم، لكن لا مصلحة لكم فيه لأنكم تعنتون وتأثمون وهو يشق عليه عنتكم، كما قال تعالى: * (عزيز عليه ما عنتم) * (التوبة: 128) فإن طاعتكم لا تفيده شيئا فلا يطيعكم، فهذا نفي الطاعة بالدليل وبين نفي الشيء بدليل ونفيه بغير دليل فرق عظيم.
المسألة الثالثة: قال * (في كثير من الأمر) * ليعلم أنه قد يوافقهم ويفعل بمقتضى مصلحتهم تحقيقا لفائدة قوله تعالى: * (وشاورهم في الأمر) *.
المسألة الرابعة: إذا كان المراد بقوله تعالى * (حبب إليكم الإيمان) *، فلا تتوقفوا فلم لم يصرح به؟ قلنا لما بيناه من الإشارة إلى ظهور الأمر يعني أنتم تعلمون أن اليقين لا يتوقف فيه، إذ ليس بعده مرتبة حتى يتوقف إلى بلوغ تلك المرتبة لأن من بلغ إلى درجة الظن فإنه يتوقف إلى أن يبلغ درجة اليقين، فلما كان عدم التوقف في اليقين معلوما متفقا عليه لم يقل فلا تتوقفوا بل قال حبب إليكم الإيمان، أي بينه وزينه بالبرهان اليقيني.
المسألة الخامسة: ما المعنى في قوله * (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) * نقول قوله تعالى: * (حبب إليكم) * أي قربه وأدخله في قلوبكم ثم زينه فيها بحيث لا تفارقونه ولا يخرج من قلوبكم، وهذا لأن من يحب أشياء فقد يمل شيئا منها إذا حصل عنده وطال لبثه والإيمان كل يوم يزداد حسنا، ولكن من كانت عبادته أكثر وتحمله لمشاق التكليف أتم، تكون العبادة والتكاليف عنده ألذ وأكمل، ولهذا قال في الأول: * (حبب إليكم) * وقال ثانيا: * (وزينه في قلوبكم) * كأنه قربه إليهم ثم أقامه في قلوبهم.
المسألة السادسة: ما الفرق بين الأمور الثلاثة وهي الكفر والفسوق والعصيان؟ فنقول هذه أمور ثلاثة في مقابلة الإيمان الكامل لأن الإيمان الكامل المزين، هو أن يجمع التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان أحدها: قوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر) * وهو التكذيب في مقابلة التصديق بالجنان والفسوق هو الكذب وثانيها: هو ما قبل هذه الآية وهو قوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ) * (الحجرات: 6) سمي من كذب فاسقا فيكون الكذب فسوقا ثالثها: ما ذكره بعد هذه الآية، وهو قوله تعالى: * (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) * (الحجرات: 11) فإنه يدل على أن الفسوق أمر قولي لاقترانه بالاسم، وسنبين تفسيره إن شاء الله تعالى ورابعها: وجه معقول وهو أن الفسوق هو الخروج عن الطاعة على ما علم في قول القائل: فسقت الرطبة إذا خرجت، وغير ذلك لأن الفسوق هو الخروج زيد في الاستعمال كونه الخروج عن الطاعة، لكن الخروج لا يكون