وهو أن يقال معناه: * (ولسليمان الريح) * كما يقال لزيد الدار، وذلك لأن الريح كانت له كالمملوك المختص به يأمرها بما يريد حيث يريد.
المسألة الثانية: الواو للعطف فعلى قراءة الرفع يصير عطفا لجملة اسمية على جملة فعلية وهو لا يجوز أولا يحسن فكيف هذا فنقول لما بين حال داود كأنه تعالى قال ما ذكرنا لداود ولسليمان الريح، وأما على النصب فعلى قولنا: * (وألنا له الحديد) * كأنه قال: وألنا لداود الحديد وسخرنا لسليمان الريح.
المسألة الثالثة: المسخر لسليمان كانت ريحا مخصوصة لا هذه الرياح، فإنها المنافع عامة في أوقات الحاجات ويدل عليه أنه لم يقرأ إلا على التوحيد فما قرأ أحد الرياح.
المسألة الرابعة: قال بعض الناس: المراد من تسخير الجبال وتسبيحها مع داود أنها كانت تسبح كما يسبح كل شيء * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) *، وكان هو عليه السلام يفقه تسبيحها فيسبح، ومن تسخير الريح أنه راض الخيل وهي كالريح وقوله: * (غدوها شهر) * ثلاثون فرسخا لأن من يخرج للتفرج في أكثر الأمر لا يسير أكثر من فرسخ ويرجع كذلك، وقوله في حق داود * (وألنا له الحديد) * وقوله في حق سليمان: * (وأسلنا له عين القطر) * أنهم استخرجوا تذويب الحديد والنحاس بالنار واستعمال الآلات منهما والشياطين أي أناسا أقوياء وهذا كله فاسد حمله على هذا ضعف اعتقاده (و) عدم اعتماده على قدرة الله والله قادر على كل ممكن وهذه أشياء ممكنة.
المسألة الخامسة: أقول قوله تعالى: * (وسخرنا مع داود الجبال) * وقوله: * (ولسليمان الريح عاصفة) * لو قال قائل ما الحكمة في أن الله تعالى قال في الأنبياء: * (وسخرنا مع داود الجبال) * وفي هذه السورة قال: * (يا جبال أوبي معه) * وقال في الريح هناك وههنا: * (ولسليمان) * تقول الجبال لما سبحت شرفت بذكر الله فلم يضفها إلى داود بلام الملك بل جعلها معه كالمصاحف، والريح لم يذكر فيها أنها سبحت فجعلها كالمملوكة له وهذا حسن وفيه أمر آخر معقول يظهر لي وهو أن على قولنا * (أوبي معه) * سيري فالجبل في السير ليس أصلا بل هو يتحرك معه تبعا، والريح لا تتحرك مع سليمان بل تحرك سليمان مع نفسها، فلم يقل الريح مع سليمان، بل سليمان كان مع الريح * (وأسلنا له عين القطر) * أي النحاس * (ومن الجن) * أي سخرنا له من الجن، وهذا ينبئ عن أن جميعهم ما كانوا تحت أمره وهو الظاهر.
واعلم أن الله تعالى ذكر ثلاثة أشياء في حق داود وثلاثة في حق سليمان عليهما الصلاة والسلام فالجبال المسخرة لداود من جنس تسخير الريح لسليمان، وذلك لأن الثقيل مع ما هو أخف منه إذا تحركا يسبق الخفيف الثقيل ويبقى الثقيل مكانه، لكن الجبال كانت أثقل من الآدمي والآدمي أثقل من الريح فقدر الله أن سار الثقيل مع الخفيف أي الجبال مع داود على ما قلنا: * (أوبي) * أي سيري وسليمان وجنوده مع الريح الثقيل مع الخفيف أيضا، والطير من جنس تسخير الجن لأنهما