الله تعالى لكن فوض ذلك إلى الكواكب، وفعل المأذون ينسب إلى الآذن ويسلب عن المأذون فيه، مثاله إذا ملك لمملوكه اضرب فلانا فضربه يقال في العرف الملك ضربه ويصح عرفا قول القائل ما ضرب فلان فلانا، وإنما الملك أمر بضرب فضرب، فهؤلاء جعلوا السماويات معينات لله فقال تعالى في إبطال قولهم: * (وما له منهم من ظهير) * ما فوض إلى شيء شيئا، بل هو على كل شيء حفيظ ورقيب ورابعها: قول من قال إنا نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا فقال تعالى في إبطال قولهم * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) * فلا فائدة لعبادتكم غير الله فإن الله لا يأذن في الشفاعة لمن يعبد غيره فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة وقوله * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * أي أزيل الفزع عنهم، يقال قرد البعير إذا أخذ منه القراد ويقال لهذا تشديد السلب، وفي قوله تعالى: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) * وجوه أحدها الفزع الذي عند الوحي فإن الله عندما يوحي يفزع من في السماوات، ثم يزيل الله عنهم الفزع فيقولون لجبريل عليه السلام ماذا قال الله؟ فيقول قال الحق أي الوحي وثانيها: الفزع الذي من الساعة وذلك لأن الله تعالى لما أوحى إلى محمد عليه السلام * (فزع من في السماوات) * من القيامة لأن إرسال محمد عليه السلام من أشراط الساعة، فلما زال عنهم ذلك الفزع قالوا ماذا قال الله قال جبريل * (الحق) * أي الوحي وثالثها: هو أن الله تعالى يزيل الفزع وقت الموت عن القلوب فيعترف كل أحد بأن ما قال الله تعالى هو الحق فينفع ذلك القول من سبق ذلك منه، ثم يقبض روحه على الإيمان المتفق عليه بينه وبين الله تعالى، ويضر ذلك القول من سبق منه خلافه فيقبض روحه على الكفر المتفق بينه وبين الله تعالى: إذا علمت هذا فنقول على القولين الأولين قوله تعالى: * (حتى) * غاية متعلقة بقوله تعالى: * (قل) * لأنه بينه بالوحي لأن قول القائل قل لفلان للإنذار حتى يسمع المخاطب ما يقوله، ثم يقول بعد هذا الكلام ما يجب قوله فلما قال: * (قل) * فزع من في السماوات، ثم أزيل عنه الفزع، وعلى الثالث متعلق بقوله تعالى: * (زعمتم) * أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع، ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق، وعلى القولين الأولين فاعل قوله تعالى: * (قالوا ماذا) * هو الملائكة السائلون من جبريل، وعلى الثالث الكفار السائلون من الملائكة والفاعل في قوله: * (الحق) * على القولين الأولين هم الملائكة، وعلى الثالث هم المشركون.
واعلم أن الحق هو الموجود ثم إن الله تعالى لما كان وجوده لا يرد عليه عدم كان حقا مطلقا لا يرتفع بالباطل الذي هو العدم والكلام الذي يكون صدقا يسمى حقا، لأن الكلام له متعلق في الخارج بواسطة أنه متعلق بما في الذهن، والذي في الذهن متعلق بما في الخارج فإذا قال القائل جاء زيد يكون هذا اللفظ تعلقه بما في ذهن القائل وذهن القائل تعلقه بما في الخارج لكن للصدق متعلق يكون في الخارج فيصير له وجود مستمر وللكذب متعلق لا يكون في الخارج، وحينئذ إما أن لا يكون له متعلق في الذهن فيكون كالمعدوم من الأول وهو الألفاظ التي تكون صادرة