وقت الحاجة جائز ولعل القرآن ما لا يحتاج إليه أحد غير نبيه فبين له لا لغيره، إذا ثبت هذا علم أن في القرآن ما لا يعلم، وهذا أقرب إلى ذلك الذي لا يعلم، للتشابه البالغ الذي فيه، لكن هذا المذهب له شرط وهو أن ينفي بعض ما يعلمه قطعا أنه ليس بمراد، وهذا لأن قائلا إذا قال إن هذه الأيام أيام قرء فلانة يعلم أنه لا يريد أن هذه الأيام أيام موت فلانة ولا يريد أن هذه الأيام أيام سفر فلانة، وإنما المراد منحصر في الطهر أو الحيض فكذلك ههنا يعلم أن المراد ليس ما يوجب نقصا في ذاته لاستحالة ذلك، والجلوس والاستقرار المكاني من ذلك الباب فيجب القطع بنفي ذلك والتوقف فيما يجوز بعده والمذهب الثاني: خطر ومن يذهب إليه فريقان أحدهما: من يقول المراد ظاهره وهو القيام والانتصاب أو الاستقرار المكاني وثانيهما: من يقول المراد الاستيلاء والأول جهل محض والثاني يجوز أن يكون جهلا والأول مع كونه جهلا هو بدعة وكاد يكون كفرا، والثاني وإن كان جهلا فليس بجهل يورث بدعة، وهذا كما أن واحدا إذا اعتقد أن الله يرحم الكفار ولا يعاقب أحدا منهم يكون جهلا وبدعة وكفرا، وإذا اعتقد أنه يرحم زيدا الذي هو مستور الحال لا يكون بدعة، غاية ما يكون أنه اعتقاد غير مطابق، ومما قيل فيه: إن المراد منه استوى على ملكه، والعرش يعبر به عن الملك، يقال الملك قعد على سرير المملكة بالبلدة الفلانية وإن لم يدخلها وهذا مثل قوله تعالى: * (وقالت اليهود يد الله مغلولة) * (المائدة: 64) إشارة إلى البخل، مع أنهم لم يقولوا بأن على يد الله غلا على طريق الحقيقة، ولو كان مراد الله ذلك لكان كذبا جل كلام الله عنه، ثم لهذا فضل تقرير وهو أن الملوك على درجات، فمن يملك مدينة صغيرة أو بلادا يسيرة ما جرت العادة بأن يجلس أول ما يجلس على سرير، ومن يكون سلطانا يملك البلاد الشاسعة والديار الواسعة وتكون الملوك في خدمته يكون له سرير يجلس عليه، وقدامه كرسي يجلس عليه وزيره، فالعرش والكرسي في العادة لا يكون إلا عند عظمة المملكة، فلما كان ملك السماوات والأرض في غاية العظمة، عبر بما ينبئ في العرف عن العظمة، ومما ينبهك لهذا قوله تعالى: * (إنا خلقنا) * (الإنسان: 2) * (إنا زينا) * (الصافات: 6) * (نحن أقرب) * (ق: 16) * (نحن نزلنا) * (الحجر: 9) أيظن أو يشك مسلم في أن المراد ظاهره من الشريك وهل يجد له محملا، غير أن العظيم في العرف لا يكون واحدا وإنما يكون معه غيره، فكذلك الملك العظيم في العرف لا يكون إلا ذا سرير يستوي عليه فاستعمل ذلك مريدا للعظمة، ومما يؤيد هذا أن المقهور المغلوب المهزوم يقال له ضاقت به الأرض حتى لم يبق له مكان، أيظن أنهم يريدون به أنه صار لا مكان له وكيف يتصور الجسم بلا مكان، ولا سيما من يقول بأن إلهه في مكان كيف يخرج الإنسان عن المكان؟ فكما يقال للمقهور الهارب لم يبق له مكان مع أن المكان واجب له، يقال للقادر القاهر هو متمكن وله عرش، وإن كان التنزه عن المكان واجبا له، وعلى هذا كلمة ثم معناها خلق السماوات والأرض، ثم القصة أنه استوى على الملك، وهذا كما يقول القائل: فلان أكرمني وأنعم علي مرارا، ويحكي عنه أشياء، ثم يقول إنه ما كان يعرفني ولا كنت فعلت معه ما يجازيني
(١٦٩)