وثانيهما: الخلق ابتداء كما قال: * (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده) * (الروم: 27) وقال تعالى: * (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) * (العنكبوت: 20) إلى غير ذلك فقال ههنا * (ويعلم ما في الأرحام) * إشارة إلى أن الساعة وإن كنت لا تعلمها لكنها كائنة والله قادر عليها، وكما هو قادر على الخلق في الأرحام كذلك يقدر على الخلق من الرخام، ثم قال لذلك الطالب علمه: يا أيها السائل إنك تسأل عن الساعة أيان مرساها، فلك أشياء أهم منها لا تعلمها، فإنك لا تعلم معاشك ومعادك، ولا تعلم ماذا تكسب غدا مع أنه فعلك وزمانك، ولا تعلم أين تموت مع أنه شغلك ومكانك، فكيف تعلم قيام الساعة متى تكون، فالله ما أعلمك كسب غدك مع أن لك فيه فوائد تبنى عليها الأمور من يومك، ولا أعلمك أين تموت مع أن لك فيه أغراضا تهيئ أمورك بسبب ذلك العلم وإنما لم يعلمك لكي تكون في وقت بسبب الرزق راجعا إلى الله تعالى متوكلا على الله ولا أعلمك الأرض التي تموت فيها كي لا تأمن الموت وأنت في غيرها، فإذا لم يعلمك ما تحتاج إليه كيف يعلمك ما لا حاجة لك إليه، وهي الساعة، وإنما الحاجة إلى العلم بأنها تكون وقد أعلمت الله على لسان أنبيائه.
ثم قال تعالى: * (إن الله عليم خبير) * لما خصص أولا علمه بالأشياء المذكورة، بقوله: * (إن الله عنده علم الساعة) * ذكر أن علمه غير مختص بها، بل هو عليم مطلقا بكل شيء، وليس علمه علما بظاهر الأشياء فحسب، بل خبير علمه واصل إلى بواطن الأشياء، والله أعلم بالصواب.