خلق السماوات والأرض) * الله مبتدأ وخبره الذي خلق، يعني الله هو الذي خلق السماوات والأرض ولم يخلقهما إلا واحد فلا إله إلا واحد، وقد ذكرنا أن قوله تعالى: * (في ستة أيام) * إشارة إلى ستة أحوال في نظر الناظرين وذلك لأن السماوات والأرض وما بينهما ثلاثة أشياء ولكل واحد منها ذات وصفة فنظرا إلى خلقه ذات السماوات حالة ونظرا إلى خلقه صفاتها أخرى ونظرا إلى ذات الأرض وإلى صفاتها كذلك ونظرا إلى ذوات ما بينهما وإلى صفاتها كذلك فهي ستة أشياء على ستة أحوال وإنما ذكر الأيام لأن الإنسان إذا نظر إلى الخلق رآه فعلا والفعل ظرفه الزمان والأيام أشهر الأزمنة، وإلا فقبل السماوات لم يكن ليل ولا نهار وهذا مثل ما يقول القائل لغيره: إن يوما ولدت فيه * كان يوما مباركا وقد يجوز أن يكون ذلك قد ولد ليلا ولا يخرج عن مراده، لأن المراد هو الزمان الذي هو ظرف ولادته. ثم قال تعالى: * (ثم استوى على العرش) * اعلم أن مذهب العلماء في هذه الآية وأمثالها على وجهين أحدهما: ترك التعرض إلى بيان المراد وثانيهما: التعرض إليه والأول أسلم والى الحكمة أقرب، أما أنه أسلم فذلك لأن من قال أنا لا أتعرض إلى بيان هذا ولا أعرف المراد من هذا، لا يكون حاله إلا حال من يتكلم عند عدم وجوب الكلام أو لا يعلم شيئا لم يجب عليه أن يعلمه، وذلك لأن الأصول ثلاثة التوحيد والقول بالحشر والاعتراف بالرسل لكن الحشر أجمعنا واتفقنا أن العلم به واجب والعلم بتفصيله أنه متى يكون غير وأحب، ولهذا قال تعالى في آخر السورة المتقدمة * (إن الله عنده علم الساعة) * (لقمان: 34) فكذلك الله يجب معرفة وجوده ووحدانيته واتصافه بصفات الجلال ونعوت الكمال على سبيل الإجمال وتعاليه عن وصمات الإمكان وصفات النقصان، ولا يجب أن يعلم جميع صفاته كما هي، وصفة الاستواء مما لا يجب العلم بها فمن ترك التعرض إليه لم يترك واجبا، وأما من يتعرض إليه فقد يخطئ فيه فيعتقد خلاف ما هو عليه فالأول غاية ما يلزمه أنه لا يعلم، والثاني يكاد أن يقع في أن يكون جاهلا مركبا وعدم العلم الجهل المركب كالسكوت والكذب ولا يشك أحد في أن السكوت خير من الكذب، وأما إنه أقرب إلى الحكمة فذلك لأن من يطالع كتابا صنفه إنسان وكتب له شرحا والشارح دون المصنف فالظاهر أنه لا يأتي على جميع ما أتى عليه المصنف، ولهذا كثيرا ما نرى أن الإنسان يورد الإشكالات على المصنف المتقدم ثم يجيء من ينصر كلامه ويقول لم يرد المصنف هذا وإنما أراد كذا وكذا وإذا كان حال الكتب الحادثة التي تكتب عن علم قاصر كذلك، فما ظنك بالكتاب العزيز الذي فيه كل حكمة يجوز أن يدعي جاهل أني علمت كل سر في هذا الكتاب، وكيف ولو ادعى عالم اني علمت كل سر وكل فائدة يشتمل عليه الكتاب الفلاني يستقبح منه ذلك، فكيف من يدعي أنه علم كل ما في كتاب الله؟ ثم ليس لقائل أن يقول بأن الله تعالى بين كل ما أنزله لأن تأخير البيان إلى
(١٦٨)