يحتمل أن يقال: إن وجه الترتيب هو أن الله تعالى لما قال: * (ألم تر أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) * على وجه العموم ذكر منها بعض ما هو فيهما على وجه الخصوص بقوله: * (يولج الليل في النهار) * وقوله: * (وسخر الشمس والقمر) * إشارة إلى ما في السماوات، وقوله بعد هذا: * (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله) * إشارة إلى ما في الأرض. ويحتمل أن يقال إن وجهه هو أن الله تعالى لما ذكر البعث وكان من الناس من يقول: * (وما يهلكنا إلا الدهر) * (الجاثية: 24) والدهر هو الليالي والأيام، قال الله تعالى هذه الليالي والأيام التي تنسبون إليها الموت والحياة هي بقدرة الله تعالى فقال: * (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * ثم إن قائلا لو قال إن ذلك اختلاف مسير الشمس تارة تكون القوس التي هي فوق الأرض أكثر من التي تحت الأرض فيكون الليل أقصر والنهار أطول وتارة تكون بالعكس وتارة يتساويان فيتساويان فقال تعالى: * (وسخر الشمس والقمر) * يعني إن كنتم لا تعترفون بأن هذه الأشياء كلها في أوائلها من الله فلا بد من الاعتراف بأنها بأسرها عائدة إلى الله تعالى، فالآجال إن كانت بالمدد والمدد بسير الكواكب فسير الكواكب ليس إلا بالله وقدرته، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: إيلاج الليل في النهار يحتمل وجهين أحدهما: أن يقال المراد إيلاج الليل في زمان النهار أي يجعل في الزمان الذي كان فيه النهار الليل، وذلك لأن الليل إذا كان مثلا اثنتي عشرة ساعة ثم يطول يصير الليل موجودا في زمان كان فيه النهار وثانيهما: أن يقال المراد إيلاج زمان الليل في النهار أي يجعل زمان الليل في النهار وذلك لأن الليل إذا كان كما ذكرنا اثنتي عشرة ساعة إذا قصر صار زمان الليل موجودا في النهار ولا يمكن غير هذا لأن إيلاج الليل في النهار محال الوجود فما ذكرنا من الإضمار لا بد منه لكن الأول أولى لأن الليل والنهار أفعال والأفعال في الأزمنة لأن الزمان ظرف فقولنا الليل في زمان النهار أقرب من قولنا زمان الليل في النهار لأن الثاني يجعل الظرف مظروفا. إذا ثبت هذا فنقول قوله تعالى: * (يولج الليل في النهار) * أي يوجده في وقت كان فيه النهار والله تعالى قدم إيجاد الليل على إيجاد النهار في كثير من المواضع كما في قوله تعالى: * (وجعلنا الليل والنهار آيتين) * (الإسراء: 12) وقوله: * (وجعل الظلمات والنور) * (الأنعام: 1) وقوله: * (واختلاف الليل والنهار) * (الجاثية: 5) ومن جنسه قوله: * (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * (الجاثية: 5) وهذا إشارة إلى مسألة حكمية، وهي أن الظلمة قد يظن بها أنها عدم النور والليل عدم النور والليل عدم النهار والحياة عدم الموت وليس كذلك إذ في الأزل لم يكن نهار ولا نور ولا حياة لممكن ولا يمكن أن يقال كان فيه موت أو ظلمة أو ليل فهذه الأمور كالأعمى والأصم فالعمي والصمم ليس مجرد عدم البصر وعدم السمع إذ الحجر والشجر لا بصر لهما ولا سمع ولا يقال لشيء منهما إنه أصم أو أعمى إذا علم هذا فنقول ما يتحقق فيه العمى والصمم لا بد من أن يكون فيه اقتضاء لخلافهما وإلا لما كان يقال له أعمى وأصم وما يكون فيه اقتضاء شيء، ويترتب عليه مقتضاه