ذلكم) * صريح في تحليل كل ما سوى المذكورات، وقوله: * (لا تنكح المرأة على عمتها) * ليس صريحا في العموم، بل احتماله للمعهود السابق أظهر.
الوجه السادس: أنه تعالى استقصى في هذه الآية شرح أصناف المحرمات فعد منها خمسة عشر صنفا، ثم بعد هذا التفصيل التام والاستقصاء الشديد قال: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * فلو لم يثبت الحل في كل من سوى هذه الأصناف المذكورة لصار هذا الاستقصاء عبثا لغوا، وذلك لا يليق بكلام أحكم الحاكمين، فهذا تقرير وجوه السؤال في هذا الباب.
والجواب على وجوه: الأول: ما ذكره الحسن وأبو بكر الأصم، وهو أن قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * لا يقتضى إثبات الحل على سبيل التأييد، وهذا الوجه عندي هو الأصح في هذا الباب، والدليل عليه أن قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * إخبار عن إحلال كل ما سوى المذكورات وليس فيه بيان أن إحلال كل ما سوى المذكورات وقع على التأييد أم لا، والدليل على أنه لا يفيد التأييد: أنه يصح تقسيم هذا المفهوم إلى المؤبد وإلى غير المؤبد، فيقال تارة: * (وأحل لكم ما وراء / ذلكم) * أبدا، وأخرى * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * إلى الوقت الفلاني، ولو كان قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * صريحا في التأييد لما كان هذا التقسيم ممكنا، ولأن قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * لا يفيد إلا إحلال من سوى المذكورات وصريح العقل يشهد بأن الاحلال أعم من الاحلال المؤبد ومن الاحلال المؤقت، إذا ثبت هذا فنقول: قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * لا يفيد إلا حل من عدا المذكورات في ذلك الوقت، فأما ثبوت حلهم في سائر الأوقات فاللفظ ساكت عنه بالنفي والاثبات، وقد كان حل من سوى المذكورات ثابتا في ذلك الوقت، وطريان حرمة بعضهم بعد ذلك لا يكون تخصيصا لذلك النص ولا نسخا له، فهذا وجه حسن معقول مقرر. وبهذا الطريق نقول أيضا: إن قوله: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * (النساء: 23) ليس نصا في تأبيد هذا التحريم، وإن ذلك التأبيد إنما عرفناه بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم، لا من هذا اللفظ، فهذا هو الجواب المعتمد في هذا الموضع.
الوجه الثاني: انا لا نسلم أن حرمة الجمع بين المرأة وبين عمتها وخالتها غير مذكورة في الآية وبيانه من وجهين: الأول: أنه تعالى حرم الجمع بين الأختين، وكونهما أختين يناسب هذه الحرمة لأن الأختية قرابة قريبة، والقرابة القريبة تناسب مزيد الوصلة والشفقة والكرامة، وكون إحداهما ضرة الأخرى يوجب الوحشة العظيمة والنفرة الشديدة، وبين الحالتين منافرة عظيمة، فثبت أن كونها أختا لها يناسب حرمة الجمع بينهما في النكاح، وقد ثبت في أصول الفقه ان ذكر الحكم مع الوصف المناسب له، يدل بحسب اللفظ على كون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف فثبت أن قوله: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * (النساء: 23) يدل على كون القرابة القريبة مانعة من الجمع في النكاح، وهذا المعنى حاصل بين المرأة وعمتها أو خالتها، فكان الحكم المذكور في الأختين مذكورا في العمة والخالة من طريق الدلالة، بل ههنا أولى، وذلك لأن العمة والخالة يشبهان الأم لبنت الأخ ولبنت الأخت، وهما يشبهان الولد للعمة والخالة، واقتضاء مثل هذه القرابة لترك المضارة أقوى من اقتضاء قرابة الأختية لمنع المضارة، فكان قوله: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * مانعا من العمة والخالة بطريق الأولى. الثاني: أنه نص على حرمة التزوج بأمهات النساء فقال: * (وأمهات نسائكم) * (النساء: 23) ولفظ الأم قد ينطلق على العمة والخالة، أما على العمة فلأنه تعالى قال مخبرا عن أولاد يعقوب عليه السلام: * (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل) * (البقرة: 133) فأطلق لفظ الأب على إسماعيل مع أنه كان عما، وإذا كان العم أبا لزم أن تكون العمة أما، وأما إطلاق لفظ الأم على الخالة فيدل عليه قوله تعالى: * (ورفع أبويه على العرش) * (يوسف: 100) والمراد أبوه وخالته، فان أمه كانت متوفاة في ذلك الوقت، فثبت بما