الفحل، لمنعه صاحبه من الهلاك، والحصان بالفتح المرأة العفيفة لمنعها فرجها من الفساد، قال تعالى: * (ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها) * (التحريم: 12).
واعلم أن لفظ الاحصان جاء في القرآن على وجوه: أحدها: الحرية كما في قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * (النور: 4) يعني الحرائر، ألا ترى أنه لو قذف غير حر لم يجلد ثمانين، وكذلك قوله: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * يعني الحرائر، وكذلك قوله: * (محصنات غير مسافحات) * (النساء: 25) وقوله: * (محصنين غير مسافحين) * وقوله: * (والتي أحصنت فرجها) * (الأنبياء: 91) أي أعفته، وثالثها الاسلام: من ذلك قوله: * (فإذا أحصن) * قيل في تفسيره: إذا أسلمن، ورابعها: كون المرأة ذات زوج يقال: امرأة محصنة إذا كانت ذات زوج، وقوله: * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * يعني ذوات الأزواج، والدليل على أن المراد ذلك أنه تعالى عطف المحصنات على المحرمات، فلا بد وأن يكون الاحصان سببا للحرمة، ومعلوم أن الحرية والعفاف والاسلام لا تأثير له في ذلك، فوجب أن يكون المراد منه المزوجة، لأن كون المرأة ذات زوج له تأثير في كونها محرمة على الغير.
واعلم أن الوجوه الأربعة مشتركة في المعنى الأصلي اللغوي، وهو المنع، وذلك لأنا ذكرنا أن الاحصان عبارة عن المنع، فالحرية سبب لتحصين الانسان من نفاذ حكم الغير فيه، والعفة أيضا مانعة للانسان عن الشروع فيما لا ينبغي، وكذلك الاسلام مانع من كثير مما تدعو إليه النفس والشهوة، والزوج أيضا مانع للزوجة من كثير من الأمور، والزوجة مانعة للزوج من الوقوع في الزنا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " من تزوج فقد حصن ثلثي دينه " فثبت أن المرجع بكل هذه الوجوه إلى ذلك المعنى اللغوي والله أعلم.
المسألة الثانية: قال الواحدي: اختلف القراء في * (المحصنات) * فقرؤا بكسر الصاد وفتحها في جميع القرآن إلا التي في هذه الآية فإنهم أجمعوا على الفتح فيها، فمن قرأ بالكسر جعل الفعل لهن يعني: أسلمن واخترن العفاف، وتزوجن وأحسن أنفسهن بسبب هذه الأمور. ومن قرأ بالفتح جعل الفعل لغيرهن، يعني أحصنهن أزواجهن والله أعلم. المسألة الثالثة: قال الشافعي رحمة الله عليه: الثيب الذمي إذا زنى يرجم، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يرجم. حجة الشافعي أنه حصل الزنا مع الاحصان وذلك علة لإباحة الدم، فوجب أن يثبت إباحة الدم، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون ذلك بطريق الرجم. أما قولنا: حصل الزنا مع الاحصان، فهذا يعتمد اثبات قيدين: أحدهما: حصول الزنا ولا شك فيه. الثاني: