حصول الاحصان وهو حاصل، لأن قوله تعالى: * (والمحصنات من النساء) * يدل على أن المراد من المحصنة: المزوجة، وهذه المرأة مزوجة فهي محصنة، فثبت أنه حصل الزنا مع الاحصان، وإنما قلنا: ان الزنا مع الاحصان علة لإباحة الدم لقوله عليه الصلاة والسلام: " لا يحل دم امرئ مسلم الا لإحدى معان ثلاثة " ومنها قوله: " وزنا بعد إحصان " جعل الزنا بعد الاحصان علة لإباحة الدم في حق المسلم، والمسلم محل لهذا الحكم، أما العلة فهي مجرد الزنا بعد الاحصان، بدليل أن لام التعليل إنما دخل عليه. أقصى ما في الباب أنه حكم في حق المسلم، أن الزنا بعد الاحصان علة لإباحة الدم، إلا أن كونه مسلما محل الحكم، وخصوص محل الحكم لا يمنع من التعدية إلى غير ذلك المحل، والا لبطل القياس بالكلية. وأما العلة فهي ما دخل عليه لام التعليل، وهي ماهية الزنا بعد الاحصان، وهذه الماهية لما حصلت في حق الثيب الذمي، وجب أن يحصل في حقه إباحة الدم، فثبت أنه مباح الدم. ثم ههنا طريقان: ان شئنا اكتفينا بهذا القدر، فانا ندعي كونه مباح الدم والخصم لا يقول به، فصار محجوجا، أو نقول: لما ثبت أنه مباح الدم وجب أن يكون ذلك بطريق الرجم لأنه لا قائل بالفرق.
فان قيل: ما ذكرتم إن دل على أن الذمي محصن، فههنا ما يدل على أنه غير محصن، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " من أشرك بالله فليس بمحصن ".
قلنا: ثبت بالدليل الذي ذكرناه ان الذمي محصن، وثبت بهذا الخبر الذي ذكرتم أنه ليس بمحصن، فنقول: إنه محصن بمعنى أنه ذات زوج، وغير محصن بمعنى أنه لا يحد قاذفة، وقوله: من أشرك بالله فليس بمحصن يجب حمله على أنه لا يحد قاذفه، لا على أنه لا يحد على الزنا، لأنه وصفه بوصف الشرك وذلك جناية، والمذكور عقيب الجناية لا بد وأن يكون أمرا يصلح أن يكون عقوبة، وقولنا: انه لا يحد قاذفه يصلح أن يكون عقوبة، أما قولنا: لا يحد على الزنا، لا يصلح أن يكون عقوبة له، فكان المراد من قوله: من أشرك بالله فليس بمحصن ما ذكرناه والله أعلم.
المسألة الرابعة: في قوله: * (والمحصنات من النساء) * قولان: أحدهما: المراد منها ذوات الأزواج، وعلى هذا التقدير ففي قوله: * (إلا ما ملكت أيمانكم) * وجهان: الأول: أن المرأة إذا كانت ذات زوج حرمت على غير زوجها، إلا إذا صارت ملكا لانسان فإنها تحل للمالك، الثاني: أن المراد بملك اليمين ههنا ملك النكاح، والمعنى أن ذوات الأزواج حرام عليكم إلا إذا ملكتموهن بنكاح جديد بعد وقوع البينونة بينهن وبين أزواجهن، والمقصود من هذا الكلام الزجر عن الزنا والمنع من وطئهن إلا بنكاح جديد، أو بملك يمين إن كانت المرأة مملوكة، وعبر عن