المسألة الأولى: قوله: * (أن تبتغوا) * في محله قولان: الأول: أنه رفع على البدل من " ما " والتقدير: وأحل لكم ما وراء ذلكم وأحل لكم أن تبتغوا، على قراءة من قرأ (وأحل) بضم الألف. ومن قرأ بالفتح كان محل " أن تبتغوا " نصبا. الثاني: أن يكون محله على القراءتين النصب بنزع الخافض كأنه قيل: لأن تبتغوا، والمعنى: وأحل لكم ما وراء ذلكم لإرادة أن تبتغوا بأموالكم وقوله: * (محصنين غير مسافحين) * أي في حال كونكم محصنين غير مسافحين، وقوله: * (محصنين) * أي متعففين عن الزنا، وقوله: * (غير مسافحين) * أي غير زانين، وهو تكرير للتأكيد. قال الليث: السفاح والمسافحة الفجور، وأصله في اللغة من السفح وهو الصب يقال: دموع سوافح ومسفوحة، قال تعالى: * (أو دما مسفوحا) * (الانعام: 145) وفلان سفاح للدماء أي سفاك، وسمي الزاني سفاحا لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة.
فان قيل: أين مفعول تبتغوا؟
قلنا: التقدير: وأحل لكم ما وراء ذلكم لإرادة أن تبتغوهن، أي تبتغوا ما وراء ذلكم، فحذف ذكره لدلالة ما قبله عليه والله أعلم.
المسألة الثانية: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا مهر أقل من عشرة دراهم، وقال الشافعي رضي الله عنه: يجوز بالقليل والكثير ولا تقدير فيه. احتج أبو حنيفة بهذه الآية، وذلك لأنه تعالى قيد التحليل بقيد، وهو الابتغاء بأموالهم، والدرهم والدرهمان لا يسمى أموالا، فوجب أن لا يصح جعلها مهرا.
فان قيل: ومن عنده عشرة دراهم لا يقال عنده أموال، مع أنكم تجوزون كونها مهرا.
قلنا: ظاهر هذه الآية يقتضي أن لا تكون العشرة كافية، إلا أنا تركنا العمل بظاهر الآية في هذه الصورة لدلالة الاجماع على جوازه، فتمسك في الأقل من العشرة بظاهر الآية.
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف، لأن الآية دالة على أن الابتغاء بالأموال جائز، وليس فيها دلالة على أن الابتغاء بغير الأموال لا يجوز، إلا على سبيل المفهوم، وأنتم لا تقولون به. ثم نقول: الذي يدل على أنه لا تقدير في المهر وجوه:
الحجة الأولى: التمسك بهذه الآية، وذلك لأن قوله: * (بأموالكم) * مقابلة الجمع بالجمع، فيقتضي توزع الفرد على الفرد، فهذا يقتضي أن يتمكن كل واحد من ابتغاء النكاح بما يسمى مالا، والقليل والكثير في هذه الحقيقة وفي هذا الاسم سواء، فيلزم من هذه الآية جواز ابتغاء النكاح بأي شيء يسمى مالا من غير تقدير.