المسألة الثانية: أجمعوا على أن من كان حاكما وجب عليه أن يحكم بالعدل قال تعالى: * (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) * والتقدير: إن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. وقال: * (أن الله يأمر بالعدل والاحسان) * (النحل: 90) وقال: * (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) * وقال: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) * (ص: 26) وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت " وعن الحسن قال: ان الله أخذ على الحكام ثلاثا: أن لا يتبعوا الهوى، وأن يخشوه ولا يخشوا الناس، ولا يشتروا بآياته ثمنا قليلا. ثم قرأ * (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض) * إلى قوله: * (ولا تتبع الهوى) * (ص: 26) وقرأ * (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون) * (المائدة: 44) إلى قوله: * (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) * (البقرة: 41) ومما يدل على وجوب العدل الآيات الواردة في مذمة الظلم قال تعالى: * (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) * (الصافات: 22) وقال عليه الصلاة والسلام: " ينادي منادي يوم القيامة أين الظلمة وأين أعوان الظلمة، فيجمعون كلهم حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة فيجمعون ويلقون في النار " وقال أيضا: * (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) * (إبراهيم: 42) وقال: * (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) * (النمل: 52).
فان قيل: الغرض من الظلم منفعة الدنيا.
فأجاب الله عن السؤال بقوله: * (لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) * (القصص: 58).
المسألة الثالثة: قال الشافعي رضي الله عنه: ينبغي للقاضي أن يسوي بين الخصمين في خمسة أشياء: في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والاقبال عليهما، والاستماع منهما، والحكم عليهما قال: والمأخوذ عليه التسوية بينهما في الأفعال دون القلب، فان كان يميل قلبه إلى أحدهما ويحب أن يغلب بحجته على الآخر فلا شيء عليه لأنه لا يمكنه التحرز عنه. قال: ولا ينبغي أن يلقن واحدا منهما حجته، ولا شاهدا شهادته لأن ذلك يضر بأحد الخصمين، ولا يلقن المدعي الدعوى والاستحلاف، ولا يلقن المدعي عليه الانكار والاقرار، ولا يلقن الشهود أن يشهدوا أو لا يشهدوا، ولا ينبغي أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر لأن ذلك يكسر قلب الآخر، ولا يجيب هو إلى ضيافة أحدهما، ولا إلى ضيافتهما ما داما متخاصمين. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يضيف الخصم الا وخصمه معه. وتمام الكلام فيه مذكور في كتب الفقه، وحاصل الأمر فيه أن يكون مقصود الحاكم بحكمه إيصال الحق إلى مستحقه، وأن لا يمتزج ذلك بغرض آخر، وذلك هو المراد بقوله: * (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) *.