* (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * (المائدة: 45) وإذا وجدنا عموم الكتاب حاصلا في الواقعة ثم انا لا نحكم به بل حكمنا بالقياس لزم الدخول تحت هذا العموم. السابع: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * (الجمرات: 1) فإذا كان عموم القرآن حاضر، ثم قدمنا القياس المخصص لزم التقديم بين يدي الله ورسوله. الثامن: قوله تعالى: * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله) * (الأنعام: 148) إلى قوله: * (ان يتبعون إلى الظن) * (النجم: 23 - 28) جعل اتباع الظن من صفات الكفار، ومن الموجبات القوية في مذمتهم، فهذا يقتضي أن لا يجوز العمل بالقياس البتة ترك هذا النص لما بينا أنه يدل على جواز العمل بالقياس، لكنه إنما دل على ذلك عند فقدان النصوص، فوجب عند وجدانها أن يبقى على الأصل. التاسع: انه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافقه فاقبلوه وإلا ذروه " ولا شك ان الحديث أقوى من القياس، فإذا كان الحديث الذي لا يوافقه الكتاب مردودا فالقياس أولى به. العاشر: ان القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، والقياس يفرق عقل الانسان الضعيف، وكل من له عقل سليم علم أن الأول أقوى بالمتابعة وأحرى.
المسألة السادسة: هذه الآية دالة على أن ما سوى هذه الأصول الأربعة: أعني الكتاب والسنة والاجماع والقياس مردود باطل، وذلك لأنه تعالى جعل الوقائع قسمين: أحدهما: ما تكون أحكامها منصوصة عليها وأمر فيها بالطاعة وهو قوله: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * والثاني: ما لا تكون أحكامها منصوصة عليها وأمر فيها بالاجتهاد وهو قوله: * (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * فإذا كان لا مزيد على هذين القسمين وقد أمر الله تعالى في كل واحد منهما بتكليف خاص معين دل ذلك على أنه ليس للمكلف أن يتمسك بشيء سوى هذه الأصول الأربعة، وإذا ثبت هذا فنقول: القول بالاستحسان الذي يقول به أبو حنيفة رضي الله عنه، والقول بالاستصلاح الذي يقول به مالك رحمه الله إن كان المراد به أحد هذه الأمور الأربعة فهو تغيير عبارة ولا فائدة فيه، وإن كان مغايرا لهذه الأربعة كان القول به باطلا قطعا لدلالة هذه الآية على بطلانه كما ذكرنا.
المسألة السابعة: زعم كثير من الفقهاء أن قوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * يدل على أن ظاهر الأمر للوجوب، واعترض المتكلمون عليه فقالوا: قوله: * (أطيعوا الله) * فهذا لا يدل على الايجاب إلا إذا ثبت أن الأمر للوجوب. وهذا يقتضي افتقار الدليل إلى المدلول وهو باطل، وللفقهاء أن يجيبوا عنه من وجهين: الأول: أن الأوامر الواردة في الوقائع المخصوصة دالة على