الفرع الرابع: دلت الآية على أن العبرة باجماع المؤمنين لأنه تعالى قال في أول الآية: * (يا أيها الذين آمنوا) * ثم قال: * (وأولي الأمر منكم) * فدل هذا على أن العبرة باجماع المؤمنين، فأما سائر الفرق الذين يشك في إيمانهم فلا عبرة بهم.
المسألة الثانية عشرة: ذكرنا أن قوله: * (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * يدل على صحة العمل بالقياس، فنقول: كما أن هذه الآية دلت على هذا الأصل، فكذلك دلت على مسائل كثيرة من فروع القول بالقياس، ونحن نذكر بعضها:
الفرع الأول: قد ذكرنا أن قوله: * (فردوه إلى الله) * معناه فردوه إلى واقعة بين الله حكمها، ولا بد وأن يكون المراد فردوها إلى واقعة تشبهها، إذ لو كان المراد بردها ردها إلى واقعة تخالفها في الصورة والصفة، فحينئذ لم يكن ردها إلى بعض الصور أولى من ردها إلى الباقي، وحينئذ يتعذر الرد، فعلمنا أنه لا بد وأن يكون المراد: فردوها إلى واقعة تشبهها في الصورة والصفة. ثم إن هذا المعنى الذي قلناه يؤكد بالخبر والأثر، أما الخبر فإنهم لما سألوه صلى الله عليه وسلم عن قبلة الصائم فقال عليه الصلاة والسلام: " أرأيت لو تمضمضت " يعني المضمضة مقدمة الأكل، كما أن القبلة مقدمة الجماع، فكما أن تلك المضمضة لم تنقض الصوم، فكذا القبلة. ولما سألته الخثعمية عن الحج فقال عليه الصلاة والسلام: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته هل يجزى فقالت نعم: قال عليه الصلاة والسلام: فدين الله أحق بالقضاء " وأما الأثر فما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور برأيك، فدل مجموع ما ذكرناه من دلالة هذه الآية ودلالة الخبر ودلالة الأثر على أن قوله: * (فردوه) * أمر برد الشيء إلى شبيهة، وإذا ثبت هذا فقد جعل الله المشابهة في الصورة والصفة دليلا على أن الحكم في غير محل النص مشابه للحكم في محل النص، وهذا هو الذي يسميه الشافعي رحمه الله قياس الأشباه، ويسميه أكثر الفقهاء قياس الطرد، ودلت هذه الآية على صحته لأنه لما ثبت بالدليل أن المراد من قوله: * (فردوه) * هو أنه ردوه إلى شبيهه علمنا أن الأصل المعول عليه في باب القياس محض المشابهة، وهذا بحث فيه طول، ومرادنا بيان كيفية استنباط المسائل من الآيات، فأما الاستقصاء فيها فمذكور في سائر الكتب.
الفرع الثاني: دلت الآية على أن شرط الاستدلال بالقياس في المسألة أن لا يكون فيها نص من الكتاب والسنة لأن قوله: * (فان تنازعتم في شيء فردوه) * مشعر بهذا الاشتراط.
الفرع الثالث: دلت الآية على أنه إذا لم يوجد في الواقعة نص من الكتاب والسنة والاجماع جاز استعمال القياس فيه كيف كان، وبطل به قول من قال: لا يجوز استعمال القياس في الكفارات