الندبية فقوله: * (أطيعوا) * لو كان معناه أن الاتيان بالمأمورات مندوب فحينئذ لا يبقى لهذه الآية فائدة. لأن مجرد الندبية كان معلوما من تلك الأوامر، فوجب حملها على إفادة الوجوب حتى يقال: ان الأوامر دلت على أن فعل تلك المأمورات أولى من تركها، وهذه الآية دلت على المنع من تركها فحينئذ يبقى لهذه الآية فائدة. والثاني: أنه تعالى ختم الآية بقوله: * (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * وهو وعيد، فكما أن احتمال اختصاصه بقوله: * (فردوه إلى الله) * قائم، فكذلك احتمال عوده إلى الجملتين أعني قوله: * (أطيعوا الله) * وقوله: * (فردوه إلى الله) * قائم، ولا شك أن الاحتياط فيه، وإذا حكمنا بعود ذلك الوعيد إلى الكل صار قوله: * (أطيعوا الله) * موجبا للوجوب، فثبت أن هذه الآية دالة على أن ظاهر الامر للوجوب، ولا شك أنه أصل معتبر في الشرع.
المسألة الثامنة: اعلم أن المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم اما القول واما الفعل، أما القول فيجب إطاعته لقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * وأما الفعل فيجب على الأمة الاقتداء به إلا ما خصه الدليل. وذلك لأنا بينا ان قوله: * (أطيعوا) * يدل على أن أوامر الله للوجوب ثم انه تعالى قال في آية أخرى في صفة محمد عليه الصلاة والسلام: * (فاتبعوه) * وهذا أمر، فوجب أن يكون للوجوب، فثبت أن متابعته واجبة، والمتابعة عبارة عن الاتيان بمثل فعل الغير لأجل أن ذلك الغير فعله، فثبت ان قوله * (أطيعوا الله) * يوجب الاقتداء بالرسول في كل أفعاله، وقوله: * (وأطيعوا الرسول) * يوجب الاقتداء به في جميع أقواله، ولا شك أنهما أصلان معتبران في الشريعة. المسألة التاسعة: اعلم أن ظاهر الأمر وان كان في أصل الوضع لا يفيد التكرار ولا الفور إلا أنه في عرف الشرع يدل عليه، ويدل عليه وجوه: الأول: ان قوله: * (أطيعوا الله) * يصح منه استثناء أي وقت كان، وحكم الاستثناء اخراج ما لولاه لدخل، فوجب أن يكون قوله: * (أطيعوا الله) * متناولا لكل الأوقات، وذلك يقتضي التكرار، والتكرار يقتضي الفور. الثاني: انه لو لم يفد ذلك لصارت الآية مجملة، لأن الوقت المخصوص والكيفية المخصوصة غير مذكورة، أما لو حملناه على العموم كانت الآية مبينة، وحمل كلام الله على الوجه الذي يكون مبينا أولى من حمله على الوجه الذي به يصير مجملا مجهولا، أقصى ما في الباب أنه يدخله التخصيص، والتخصيص خير من الاجمال. الثالث: ان قوله: * (أطيعوا الله) * أضاف لفظ الطاعة إلى لفظ الله، فهذا يقتضي أن وجوب الطاعة علينا له إنما كان لكوننا عبيدا له ولكونه إلها، فثبت من هذا الوجه ان المنشأ لوجوب الطاعة هو العبودية والربوبية، وذلك يقتضي دوام وجوب الطاعة على جميع المكلفين إلى قيام القيامة