لا جرم أمر بها في هذه الآية. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة بن عبد الدار وكان سادن الكعبة باب الكعبة، وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه، فلوى علي بين أبي طالب رضي الله عنه يده وأخذه منه وفتح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت هذه الآية، فأمر عليا أن يرده إلى عثمان ويعتذر إليه، فقال عثمان لعلي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهبط جبريل عليه السلام وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن السدانة في أولاد عثمان أبدا. فهذا قول سعيد بن المسيب ومحمد بن إسحاق. وقال أبو روق: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان: أعطني المفتاح فقال: هاك بأمانة الله، فلما أراد أن يتناوله ضم يده، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك مرة ثانية: ان كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فأعطني المفتاح، فقال: هاك بأمانة الله، فلما أراد أن يتناوله ضم يده، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك مرة ثالثة، فقال عثمان في الثالثة: هاك بأمانة الله ودفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يطوف ومعه المفتاح وأراد أن يدفعه إلى العباس، ثم قال: يا عثمان خذ المفتاح على أن للعباس نصيبا معك، فأنزل الله هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان: " هاك خالدة تالدة لا ينزعها منك إلا ظالم " ثم إن عثمان هاجر ودفع المفتاح إلى أخيه شيبة فهو في ولده اليوم.
المسألة الثانية: اعلم أن نزول هذه الآية عند هذه القصة لا يوجب كونها مخصوصة بهذه القضية، بل يدخل فيه جميع أنواع الأمانات، واعلم أن معاملة الانسان اما أن تكون مع ربه أو مع سائر العباد، أو مع نفسه، ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة.
أما رعاية الأمانة مع الرب: فهي في فعل المأمورات وترك المنهيات، وهذا بحر لا ساحل له قال ابن مسعود: الأمانة في كل شيء لازمة، في الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إنه تعالى خلق فرج الانسان وقال هذا أمانة خبأتها عندك فاحفظها إلا بحقها، واعلم أن هذا باب واسع، فأمانة اللسان أن لا يستعمله في الكذب والغيبة والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها، وأمانة العين أن لا يستعملها في النظر إلى الحرام، وأمانة السمع أن لا يستعمله في سماع الملاهي والمناهي، وسماع الفحش والأكاذيب وغيرها، وكذا القول