في جميع الأعضاء.
وأما القسم الثاني: وهو رعاية الأمانة مع سائر الخلق فيدخل فيها رد الودائع، ويدخل فيه ترك التطفيف في الكيل والوزن، ويدخل فيه أن لا يفشي على الناس عيوبهم، ويدخل فيه عدل الأمراء مع رعيتهم وعدل العلماء مع العوام بأن لا يحملوهم على التعصبات الباطلة، بل يرشدونهم إلى اعتقادات وأعمال تنفعهم في دنياهم وأخراهم، ويدخل فيه نهي اليهود عن كتمان أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ونهيهم عن قولهم للكفار: ان ما أنتم عليه أفضل من دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام برد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، ويدخل فيه أمانة الزوجة للزوج في حفظ فرجها، وفي أن لا تلحق بالزوج ولدا يولد من غيره. وفي اخبارها عن انقضاء عدتها.
وأما القسم الثالث: وهو أمانة الانسان مع نفسه فهو أن لا يختار لنفسه إلا ما هو الأنفع والأصلح له في الدين والدنيا، وأن لا يقدم بسبب الشهوة والغضب على ما يضره في الآخرة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " فقوله: * (يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * يدخل فيه الكل، وقد عظم الله أمر الأمانة في مواضع كثيرة من كتابه فقال: * (انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان) * (الأحزاب: 72) وقال: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) * (المؤمنون: 8) وقال: * (ولا تخونوا أماناتكم) * (الأنفال: 27) وقال عليه الصلاة والسلام: " لا أيمان لمن لا أمانة له) * وقال ميمون بن مهران: ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر: الأمانة والعهد وصلة الرحم. وقال القاضي: لفظ الأمانة وان كان متناولا للكل إلا أنه تعالى قال في هذه الآية: * (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * فوجب أن يكون المراد بهذه الأمانة ما يجري مجرى المال؛ لأنها هي التي يمكن أداؤها إلى الغير.
المسألة الثالثة: الأمانة مصدر سمي به المفعول، ولذلك جمع فإنه جعل اسما خالصا. قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (الأمانة) * على التوحيد.
المسألة الرابعة: قال أبو بكر الرازي: من الأمانات الودائع، ويجب ردها عند الطلب والأكثرون على أنها غير مضمونة. وعن بعض السلف أنها مضمونة، روى الشعبي عن أنس قال: استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين ثيابي، فضمنني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وعن أنس قال: كان لانسان عندي وديعة ستة آلاف درهم فذهبت، فقال عمر: ذهب لك معها شيء؟ قلت لا، فألزمني الضمان، وحجة القول المشهور ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قال رسول