الطلاق عدة إذ كانت بها تعتد؟ وأما قوله تعالى: (وأحصوا العدة) [الطلاق: 1] فإن الاحصاء ليس بمختص بالطهر دون الحيض، لأن كل ذي عدد فالاحصاء عمرو يلحقه.
فإن قيل: إذا كان الذي يلي الطلاق هو الطهر وقد أمرنا بالإحصاء، فأوجب أن ينصرف الأمر بالإحصاء إليه، قبل لأن الأمر على الفور. قيل له: هذا غلط، لأن الإحصاء إنما ينصرف إلى أشياء ذوي عدد، فأما شئ واحد قبل انضمام غيره إليه فلا عبرة بإحصائه، فإذا لزوم الإحصاء يتعلق بما يوجد في المستقبل من الإقراء متراخيا عن وقت الطلاق، ثم حينئذ الطهر لا يكون أولى به من الحيض، إذ كانت سمة الإحصاء تناولهما جميعا وتلحقهما على وجه واحد. وأيضا فيلزمك على هذا أن تقول إنها لو حاضت عقيب الطلاق أن تكون عدتها بالحيض للزوم الإحصاء عقيبه، والذي يليه في هذه المحال الحيض، فينبغي أن يكون هو العدة.
وقال بعض المخالفين ممن صنف في أحكام القرآن، قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) [الطلق: 1] معناه: في عدتهن، كما يقول الرجل كتب لغرة الشهر، معناه: في هذا الوقت. وهذا غلط، لأن (في) هي ظرف، واللام وإن كانت متصرفة على معان فليس في أقسامها التي تتصرف عليها وتحتملها كونها ظرفا، والمعاني التي تنقسم إليها لام الإضافة خمسة: منها لام الملك، كقولك: (له مال) ولام الفعل، كقولك (له كلام وله حركة) ولام العلة، كقولك (قام لأن زيدا جاءه، وأعطاه لأنه سأله) ولام النسبة، كقولك (له أب وله أخ) ولام الاختصاص، كقولك (له علم وله إرادة) ولام الاستغاثة، كقولك (يا لبكر ويا لدارم) ولام كي، وهو قوله تعالى: (وليرضوه وليقترفوا) [الأنعام:
113] ولام العاقبة، كقوله تعالى: (ليكون لهم عدوا وحزنا) [القصص: 8]. فهذه المعاني التي تنقسم إليها هذه اللام ليس في شئ منها ما ذكره هذا القائل، وهو مع ذلك ظاهر الفساد، لأنه إذا كان قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) [الطلاق: 1] معناه: في عدتهن، فينبغي أن تكون العدة موجودة حتى يطلقها فيها، كما لو قال قائل (طلقها في شهر رجب) لم يجز له أن يطلقها قبل أن يوجد منه شئ، فبان بذلك فساد قول هذا القول وتناقضه.
ومما يدل على أن قوله تعالى (وأحصوا العدة) [الطلاق: 1] لا دلالة فيه على أنه الطهر الذي مسنون فيه طلاق السنة، أنه لو طلقها بعد الجماع في الطهر لكان مخالفا للسنة ولم يختلف حكم ما تعتد به عند الفريقين بكونه جميعا من حيض أو طهر، فدل ذلك على أنه لا تعلق لإيقاع طلاق السنة في وقت الطهر بكونه عدة محصاة منها، ويدل عليه أنه لو طلقها وهي حائض لكانت معتدة عقيب الطلاق، ونحن مخاطبون بإحصاء