لا يؤمن في هذا النهي سواء وهو كقوله تعالى: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) [النور: 2] وقول مريم: (إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) [مريم: 18].
قوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) قد تضمن ضروبا من الأحكام، أحدها: أن ما دون الثلاث لا يرفع الزوجية ولا يبطلها وإخبار ببقاء الزوجية معه، لأنه سماه بعلا بعد الطلاق، فدل ذلك على بقاء التوارث وسائر أحكام الزوجية ما دامت معتدة، ودل على أن له الرجعة ما دامت معتدة، لأنه قال: (في ذلك) يعني فيما تقدم ذكره من الثلاثة قروء. ودل على أن إباحة هذه الرجعة مقصورة على حال إرادة الإصلاح ولم يرد بها الإضرار بها، وهو كقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: (أحق بردهن في ذلك) مع بقاء الزوجية؟ وإنما يقال ذلك فيما قد زال عنه ملكه، فأما فيما هو في ملكه فلا يصح أن يقال بردها إلى ملكه مع بقاء ملكه فيها؟ قيل له: لما كان هناك سبب قد تعلق به زوال النكاح عند انقضاء العدة، صار إطلاق اسم الرد عليه ويكون ذلك بمعنى المانع من زوال الزوجية بانقضاء العدة، فسماه ردا إذ كان رافعا لحكم السبب الذي تعلق به زوال الملك، وهو كقوله تعالى:
(فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) وهو ممسك لها في هذه الحال لأنها زوجته، وإنما المراد الرجعة الموجبة لبقاء النكاح بعد انقضاء الحيض التي لو لم تكن الرجعة لكانت مزيلة للنكاح. وهذه الرجعة وإن كانت إباحتها معقودة بشريطة إرادة الإصلاح، فإنه لا خلاف بين أهل العلم أنه إذا راجعها مضارا في الرجعة مريدا لتطويل العدة عليها إن رجعته صحيحة، وقد دل على ذلك قوله تعالى: (فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) ثم عقبه بقوله تعالى: (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) فلو لم تكن الرجعة صحيحة إذا وقعت على وجه الضرار لما كان ظالما لنفسه بفعلها.
وقد دلت الآية أيضا على جواز إطلاق لفظ العموم في مسميات ثم يعطف عليه بحكم يختص به بعض ما انتظمه العموم، فلا يمنع ذلك اعتبار عموم اللفظ فيما يشمله في غير ما خص به المعطوف، لأن قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) عام في المطلقة ثلاثا وفيما دونها لا خلاف في ذلك، ثم قوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن) حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث، ولم يوجب ذلك الاقتصار بحكم قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) على ما دون الثلاث، ولذلك نظائره كثيرة في القرآن والسنة، نحو قوله تعالى: (ووصينا الانسان بوالديه