أمر الله أن تطلق بها النساء) وذلك إشارة إلى الطهر دون الحيض، فدل على أن العدة بالأطهار دون الحيض. والثاني: قوله تعالى: (وأحصوا العدة) [الطلاق: 1] وذلك عقيب الطلاق في الطهر، فوجب أن يكون المحصى هو بقية الطهر، وهو الذي يلي الطلاق. فيقال له: أما قولك (فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فإن اللام قد تدخل في ذلك لحال ماضية ومستقبلة، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته) يعني لرؤية ماضية؟ وقال تعالى: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) [الإسراء: 19] يعني الآخرة؟ فاللام ههنا للاستقبال والتراخي، ويقولون: تأهب للشتاء، يعني وقتا مستقبلا متراخيا عن حال التأهب، وإذا كان اللفظ محتملا للماضي والمستقبل، ومتى تناول المستقبل فليس في مقتضاه وجوده عقيب المذكور بلا فصل. وإذا كان كذلك ووجدنا قوله صلى الله عليه وسلم لابن عمر فيه ذكر حيضة ماضية والحيضة المستقبلة معلومة وإن لم تكن مذكورة، وذلك في قوله: (مرة فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) فاحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الحيضة الماضية، فيدل ذلك على أن العدة إنما هي الحيض.
وجائز أن يريد حيضة مستقبلة، إذ هي معلوم كونها على مجرى العادة، فليس الطهر حينئذ بأولى بالاعتبار من الحيض، لأن الحيض في المستقبل وإن لم يكن مذكورا فجائز أن يراد به إذا كان معلوما، كما أنه لم يذكر طهرا بعد الطلاق وإنما ذكر طهرا قبله، ولكن الطهر لما كان معلوما وجوده بعد الطلاق إذا طلقها فيه على مجرى العادة جاز عندك رجوع الكلام إليه وإرادته باللفظ، ومع ذلك فجائز أن تحيض عقيب الطلاق بلا فصل، فليس إذا في اللفظ دلالة على أن المعتبر في الاعتداد به هو الطهر دون الحيض. ومع ذلك فقد دل على أنه لو طلقها في آخر الطهر فحاضت عقيب الطلاق بلا فصل أن عدتها ينبغي أن تكون الحيض دون الطهر بمقتضى لفظه صلى الله عليه وسلم، إذ ليس في اللفظ ذكر حيض بعد الطلاق ولا طهر، فإذا حاضت عقيب الطلاق كان ذلك عدتها. ثم لم يفرق أحد في اعتبار الحيض بين وجوده عقيب الطلاق ومتراخيا عنه، فأوجب ذلك أن يكون الحيض هو المعتد به من الإقراء دون الطهر.
فإن قيل: الحيضة الماضية غير جائز أن تكون مرادة بالخبر، لأن ما قبل الطلاق من الحيض لا يكون عدة. قيل له: إذا كانت تعتد به بعد الطلاق جاز أن يسميها عدة، كما قال تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره) فسماه زوجا قبل النكاح. ويلزم مخالفنا من ذلك ما لزمنا، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر الطهر وأمره أن يطلقها فيه ولم يذكر الطهر الذي بعد الطلاق، فقد سمى الطهر الذي قبله عدة لأنه به تعتد عندك، فما أنكرت أن تسمي الحيضة التي قبل