عدتها، فدل على أنه لا تعلق للزوم الإحصاء ولا لوقت طلاق السنة لكونه هو المعتد به دون غيره.
وقال القائل الذي قدمنا ذكر اعتراضه في هذا الفصل: وقد اعتبرتم - يعني أهل العراق - معاني أخر غير الإقراء، من الاغتسال أو مضي وقت الصلاة، والله تعالى إنما أوجب العدة بالأقراء وليس الاغتسال ولا مضي وقت الصلاة في شئ، فيقال له: لم نعتبر غير الإقراء التي هي عندنا، ولكنا لم نتيقن انقضاء الحيض والحكم بمضيه إلا بأحد معنيين لمن كانت أيامها دون العشرة: وهو الاغتسال واستباحة الصلاة به، فتكون طاهرا بالاتفاق على ما روي عن عمر وعلي وعبد الله وعظماء السلف من بقاء الرجعة إلى أن تغتسل، أو يمضي عليها وقت الصلاة فيلزمها فرضها، فيكون لزوم فرض الصلاة منافيا لبقاء حكم الحيض. وهذا إنما هو كلام في مضي الحيضة الثالثة ووقوع الطهر منها، وليس ذلك من الكلام في المسألة في شئ، ألا ترى أنا نقول: إن أيامها إذا كانت عشرة انقضت عدتها بمضي العشرة اغتسلت أو لم تغتسل؟ لحصول اليقين بانقضاء الحيضة، إذ لا يكون الحيض عندنا أكثر من عشرة، فالملزم لنا ذلك على اعتبار الحيض مغفل في إلزامه واضع للإقراء في غير موضعها.
قال أبو بكر رحمه الله: وقد أفردنا لهذه المسألة كتابا واستقصينا القول فيها أكثر من هذا، وفيما ذكرناه ههنا كفاية.
وهذا الذي ذكره الله تعالى من العدة ثلاثة قروء ومراده مقصور على الحرة دون الأمة وذلك لأنه لا خلاف بين السلف أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة، وقد روينا عن علي وعمر وعثمان وابن عمر وزيد بن ثابت وآخرين منهم: (أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة) وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان) والسنة والإجماع قد دلا على أن مراد الله تعالى في قوله: (ثلاثة قروء) هو الحرائر دون الإماء.
قوله تعالى: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) روى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن أبي بن كعب قال: كان من الأمانة إن اؤتمنت المرأة على فرجها. وروى نافع عن ابن عمر في قول تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال: (الحيض والحبل). وقال عكرمة: (الحيض) والحكم عن مجاهد وإبراهيم، أحدهما: (الحمل) وقال الآخر: (الحيض). وعن علي أنه استحلف امرأة أنها لم تستكمل الحيض، وقضى بذلك عثمان.