ذلك في سائر الانتقالات من الحيض إلى الطهر؟ فإذا لم يمكنه الانفصال مما ذكرنا وتعارضا سقطا وزال الاحتجاج به. فإن قيل: اعتبار خروجها من طهر إلى حيض أولى من اعتبار خروجها من حيض إلى طهر، لأن في انتقالها من طهر إلى حيض دلالة على براءة رحمها من الحبل، وخروجها من حيض إلى طهر غير دال على ذلك، لأنه قد يجوز أن تحبل المرأة في آخر حيضها: ويدل عليه قول تأبط شرا:
ومبرأ هذه من كل غبر حيضة * وفساد مرضعة وداء مغيل يعني إن أمه لم تحبل به في بقية حيضها. فيقال له: قولك (إنه يجوز أن تحبل به في بقية حيضها) قول خطأ، لأن الحبل لا يجامعه الحيض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة) فجعل وجود الحيض علما لبراءة رحمها من الحبل، فثبت أن الحمل والحيض لا يجتمعان، ومتى حملت المرأة وهي حائض ارتفع الحيض، ولا يكون الدم الموجود من الحبل حيضا وإنما يكون دم استحاضة، وإذا كان كذلك فقولك (إن خروجها من الحيض إلى الطهر لا دلالة فيه على براءة رحمها) قول خطأ. وأما استشهاده بقول تأبط شرا فإنه من العجائب، وما علم هذا الشاعر الجاهل بذلك وقد قال الله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام) [لقمان: 34] وقال تعالى: (عالم الغيب) [الأنعام: 73] يعني أنه استأثر بعلم ذلك دون خلقه وأن الخلق لا يعلمون منه إلا ما علمهم، مع دلالة قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على انتفاء اجتماع الحيض والحبل. ومع ذلك فإن ما ذكره هذا القائل دلالة على صحة قولنا، لأنه إذا كانت العدة بالإقرار إنما هي لاستبراء الرحم من الحبل، والطهر لا استبراء فيه لأن سعيد الحمل طهر، وجب أن يكون الاعتبار بالحيض التي هي علم البراءة الرحم من الحبل، إذ ليس في الطهر دلالة عليه. ويدل على أن العدة بالأقراء استبراء أنها لو رأت الدم ثم ظهر بها حبل كانت العدة هي الحبل، فدل ذلك على أن العدة لذوات الأقراء إنما هي استبراء من الحبل، والإستبراء من الحبل إنما يكون بالحيض لا بالطهر من وجهين، أحدهما: أن عدة الشهور للصغيرة والآيسة طهر صحيح وليس باستبراء، والمعنى الآخر: أن الطهر مقارن للحبل، فدل على أن الاستبراء لا يقع بما يقارنه وإنما يقع بما ينافيه وهو الحيض، فيكون دلالة على براءة رحمها من الحبل، فوجب أن تكون العدة بالحيض دون الأطهار.
واحتج من اعتبر الأطهار بقوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) وقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لعمر حين طلق ابنه امرأته حائضا: (مرة فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم ليطلقها إن شاء فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق بها النساء). قال: فهذا يدل من وجهين على أنها بالأطهار، أحدهما: قوله بعد ذكره الطلاق في الطهر: (فتلك العدة التي