خفيفا). وقال سفيان الثوري: (المعتكف يعود المريض ويشهد الجمعة وما لا يحسن به أن يصنعه في المسجد أتى أهله فصنعه، ولا يدخل سقفا إلا أن يكون ممره فيه، ولا يجلس عند أهله، وليوصيهم بحاجته وهو قائم أو يمشي، ولا يبيع ولا يبتاع، وإن دخل سقفا بطل اعتكافه). وقال الحسن بن صالح: (إذا دخل المعتكف بيتا ليس فيه طريقه أو جامع بطل اعتكافه، ويحضر الجنازة ويعود المريض ويأتي الجمعة ويخرج للوضوء ويدخل بيت المريض، ويكره أن يبيع ويشتري).
قال أبو بكر: روى الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن عائشة قالت: (إن من السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الانسان، ولا يتبع الجنازة، ولا يعود مريضا، ولا يمس امرأة ولا يباشرها). وعن سعيد بن المسيب ومجاهد قالا:
(لا يعود المعتكف مريضا ولا يجيب دعوة ولا يشهد جنازة). وروى مجاهد عن ابن عباس قال: (ليس على المعتكف أن يعود مريضا ولا يتبع جنازة).
فهؤلاء السلف من الصحابة والتابعين قد روي عنهم في المعتكف ما وصفنا، وروي عن غيرهم خلاف ذلك، وروى أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال:
(المعتكف يشهد الجمعة ويعود المريض ويتبع الجنازة) وروي مثله عن الحسن وعامر وسعيد بن جبير. وروى سفيان بن عيينة عن عمار بن عبد الله بن يسار عن أبيه عن علي (أنه لم ير بأسا أن يخرج المعتكف ويبتاع). وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان). فهذا الحديث يقتضي حظر الخروج إلا لحاجة الانسان، مما وصفنا من أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم للاعتكاف وارد مورد البيان، وفعله إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب، فأوجب ما ذكرنا من فعله حظر الخروج على المعتكف إلا لحاجة الانسان، وإنما يعني به البول والغائط. ولما كان من شرط الاعتكاف اللبث في المسجد، وبذلك قرنه الله تعالى عند ذكره في قوله: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) وجب أن لا يخرج إلا لما لا بد منه من حاجة الانسان وقضاء فرض الجمعة، ولأنه معلوم أنه لم يعقد على نفسه اعتكافا هو منتفل بإيجابه، وهو يريد ترك شهود الجمعة وهي فرض عليه، فصار حضورها مستثنى من اعتكافه.
فإن قيل: أليس في قوله: (وأنتم عاكفون في المساجد) دلالة على أن من شرطه دوام اللبث فيه؟ لأنه إنما ذكر الحال التي يكونون عليها وعلق به حظر الجماع إذا كانوا من بهذه الصفة، ولا دلالة على حظر الخروج من المسجد في حال الاعتكاف. قيل له: