هذا خطأ من وجهين: أحدهما أنه معلوم أن حظر الجماع على المعتكف غير متعلق بكونه في المسجد، لأنه لا خلاف بين أهل العلم أنه ليس له أن يجامع امرأته في بيته في حال الاعتكاف، وقد حكينا عن بعض السلف أن الآية نزلت فيمن كان يخرج من المسجد في حال اعتكافه إلى بيته ويجامع، فلما كان ذلك كذلك ثبت أن ذكر المسجد في هذا الموضع إذا لم يعلق به حظر الجماع إنما هو لأن ذلك شرط الاعتكاف ومن أوصافه التي لا يصح إلا به. والوجه الآخر: أن الاعتكاف لما كان أصله في اللغة اللبث في الموضع، ثم ذكر الله تعالى الاعتكاف، فاللبث لا محالة مراد به وإن أضيف إليه معان أخر لم يكن الاسم لها في اللغة، كما أن الصوم لما كان في اللغة هو الإمساك ثم نقل في الشرع إلى معان أخر لم يخرجه ذلك من أن يكون من شرطه وأوصافه التي لا يصح إلا به، فثبت أن الاعتكاف هو اللبث في المسجد، فواجب على هذا أن لا يخرج إلا لما لا بد منه أو لشهود الجمعة، إذ كانت فرضا، مع ما عاضد هذه المقالة ما قدمنا من السنة، ولما لم يتعين فرض شهود الجنازة وعيادة المريض لم يجز له الخروج لهما.
وروى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فما يعرج عليه، يسأل عنه ويمضي). وروى الزهري عن عمرة عن عائشة مثله من فعلها، ولما اتفق الجميع ممن ذكرنا قوله إنه غير جائز للمعتكف أن يخرج فينصرف في سائر أعمال البر من قضاء حوائج الناس والسعي على عياله وهو من البر، وجب أن يكون كذلك حكم عيادة المريض، وكما لا يجيبه إلى دعوته كذلك عيادته لأنهما سواء في حقوق بعضهم على بعض، فالكتاب والأثر والنظر يدل على صحة ما وصفنا.
فإن احتج محتج بما روى الهياج الخراساني قال: حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الخالق عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المعتكف مع يتبع الجنازة ويعود المريض، وإذا خرج من المسجد قنع رأسه حتى يعود إليه) قيل له: هذا حديث مجهول السند، لا يعارض به حديث الزهري عن عمرة عن عائشة. وأما قول من قال: (إنه إن دخل سقفا بطل اعتكافه) فتخصيصه السقف دون غيره لا دلالة عليه، ولا فرق بين السقف وغيره من الفضاء، فإن كونه في الفضاء والصحراء لا يفسد اعتكافه، فكذلك السقف مثله. وأما البيع والشراء من غير إحضار السلعة والميزان فلا بأس عندهم به، وإنما أرادوا البيع بالقول فحسب لا إحضار السلع والأثمان، وإنما جاز ذلك لأنه مباح، فهو كسائر كلامه في الأمور المباحة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن الصمت يوم إلى الليل) فإذا كان الصمت محظورا فهو لا محالة مأمور بالكلام، فسائر ما ينافي الصمت من مباح الكلام قد انتظمه اللفظ