وقد اختلف السلف في أول آية نزلت في القتال، فروي عن الربيع بن أنس وغيره أن قوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) أول آية نزلت. وروي عن جماعة آخرين، منهم أبو بكر الصديق والزهري وسعيد بن جبير: أن أول آية نزلت في القتال:
(اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) [الحج: 39] الآية، وجائز أن يكون (وقاتلوا في سبيل الله) أول آية نزلت في إباحة قتال من قاتلهم، والثانية في الإذن في القتال عامة لمن قاتلهم ومن لم يقاتلهم من المشركين.
وقد اختلف في معنى قوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) فقال الربيع ابن أنس: (هي أول آية نزلت في القتال بالمدينة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقاتل من قاتله من المشركين ويكف عمن كف عنه إلى أن أمر بقتال الجميع).
قال أبو بكر: وهو عنده بمنزلة قوله: (فمن غير اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال محمد بن جعفر بن الزبير: (أمر أبو بكر بقتال الشمامسة لأنهم يشهدون القتال وأن الرهبان من رأيهم أن لا يقاتلوا، فأمر أبو بكر رضي الله عنه بأن لا يقاتلوا) وقد قال الله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) فكانت الآية على تأويله ثابتة الحكم ليس فيها نسخ، وعلى قول الربيع بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا مأمورين بعد نزول الآية بقتال من قاتل دون من كف، سواء كان ممن يتدين بالقتال أو لا يتدين. وروي عن عمر بن عبد العزيز في قوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) أنه في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم. كأنه ذهب إلى أن المراد به من لم يكن من أهل القتال في الأغلب لضعفه وعجزه، لأن ذلك حال النساء والذرية، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في آثار شائعة النهي عن قتل النساء والولدان، وروي عنه أيضا النهي عن قتل أصحاب الصوامع، رواه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان معنى الآية على ما قال الربيع بن أنس أنه أمر فيها بقتال من قاتل والكف عمن لا يقاتل، فإن قوله: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) [التوبة:
123] ناسخ لمن يلي، وحكم الآية كان باقيا فيمن لا يلينا منهم، ثم لما نزل قوله:
(واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) إلى قوله: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) فكان ذلك أعم من الأول الذي فيه الأمر بقتال من يلينا دون من لا يلينا، إلا أن فيه ضربا من التخصيص بحظره القتال عند المسجد الحرام إلا على شرط أن يقاتلونا فيه بقوله: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) ثم نزل الله فرض قتال المشركين كافة بقوله: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) [التوبة: 36] وقوله: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) [البقرة: