والثوري والحسن بن صالح: (لا اعتكاف إلا بصوم) وقال الليث بن سعد: (الاعتكاف في رمضان والجوار في غير رمضان، ومن جاور فعليه ما على المعتكف من الصيام وغيره). وقال الشافعي: (يجوز الاعتكاف بغير صوم).
قال أبو بكر: لما كان الاعتكاف اسما مجملا لما بينا كان مفتقرا إلى البيان، فكل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه فهو وارد مورد البيان، فيجب أن يكون على الوجوب، لأن فعله إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب إلا ما قام دليله، فلما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا اعتكاف إلا بصوم) وجب أن يكون الصوم من شروطه التي لا يصح إلا به، كفعله في الصلاة لإعداد الركعات والقيام والركوع والسجود لما كان على وجه البيان كان على الوجوب.
ومن جهة السنة ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن بديل بن ورقاء الليثي عن عمرو بن دينار عن ابن عمر: أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اعتكف وصم!). وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن إبان بن صالح القرشي قال: حدثنا عمرو بن محمد عن عبد الله بن بديل بإسناده، نحوه. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب، فثبت بذلك أنه من شروط الاعتكاف.
ويدل عليه أيضا قول عائشة رضي الله تعالى عنها: (من سنة المعتكف أن يصوم).
ويدل عليه من جهة النظر اتفاق الجميع على لزومه بالنذر، فلولا ما يتضمنه من الصوم لما لزم بالنذر، لأن ما ليس له أصل في الوجوب لا يلزم بالنذر ولا يصير واجبا، كما أن ما ليس له أصل في القرب لا يصير قربة وإن تقرب به. ويدل عليه أن الاعتكاف لبث في مكان فأشبه الوقوف بعرفة، والكون بمنى لما كان لبثا في مكان لم يصر قربة إلا بانضمام معنى آخر إليه هو في نفسه قربة، فالوقوف بعرفة الإحرام والكون بمنى الرمي.
فإن قيل: لو كان من شرطه الصوم لما صح بالليل لعدم الصوم فيه. قيل له: قد اتفقوا على أن من شرطه اللبث في المسجد ثم لا يخرجه من الاعتكاف خروجه لحاجة الانسان وللجمعة، ولم ينف ذلك كون اللبث في المسجد شرطا فيه، كذلك من شرطه الصوم وصحته بالليل مع عدم الصوم غير مانع أن يكون من شرطه، وكذلك اللبث بمنى قربة لأجل الرمي، ثم يكون اللبث بالليل بها قربة لرمي يفعله في غد، كذلك الاعتكاف بالليل صحيح بصوم يستقبله في غد، والله أعلم.