فإن كان ما قال أبو العالية في ذلك كما قال، فالخطاب بقوله: اهبطوا وإن كان لآدم وزوجته، فيجب أن يكون مرادا به آدم وزوجته وذريتهما. فيكون ذلك حينئذ نظير قوله: فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين بمعنى أتينا بما فينا من الخلق طائعين. ونظير قوله في قراءة ابن مسعود: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرهم مناسكهم فجمع قبل أن تكون ذرية، وهو في قراءتنا: وأرنا مناسكنا وكما يقول القائل لآخر: كأنك قد تزوجت وولد لك وكثرتم وعززتم. ونحو ذلك من الكلام.
وإنما قلنا إن ذلك هو الواجب على التأويل الذي ذكرناه عن أبي العالية لان آدم كان هو النبي (ص) أيام حياته بعد أن أهبط إلى الأرض، والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده، فغير جائز أن يكون معنيا وهو الرسول (ص) بقوله: فإما يأتينكم مني هدى خطابا له ولزوجته: فإما يأتينكم مني هدى أنبياء ورسل إلا على ما وصفت من التأويل.
وقول أبي العالية في ذلك وإن كان وجها من التأويل تحتمله الآية، فأقرب إلى الصواب منه عندي وأشبه بظاهر التلاوة أن يكون تأويلها: فإما يأتينكم مني يا معشر من أهبطته إلى الأرض من سمائي، وهو آدم وزوجته وإبليس، كما قد ذكرنا قبل في تأويل الآية التي قبلها: إما يأتينكم مني بيان من أمري وطاعتي ورشاد إلى سبيلي وديني، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إلي معصية وخلاف لأمري وطاعتي. يعرفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائب على من تاب إليه من ذنوبه، والرحيم لمن أناب إليه كما وصف نفسه بقوله: إنه هو التواب الرحيم. وذلك أن ظاهر الخطاب بذلك إنما هو للذين قال لهم جل ثناؤه: اهبطوا منها جميعا والذين خوطبوا به هم من سمينا في قول الحجة من الصحابة والتابعين الذين قد قدمنا الرواية عنهم. وذلك وإن كان خطابا من الله جل ذكره لمن أهبط حينئذ من السماء إلى الأرض، فهو سنة الله في جميع خلقه، وتعريف منه بذلك للذين أخبر عنهم في أول هذه السورة بما أخبر عنهم في قوله: إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون وفي قوله:
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين وأن حكمه فيهم إن تابوا إليه وأنابوا واتبعوا ما أتاهم من البيان من عند الله، على لسان رسوله محمد (ص)، أنهم