قال ابن إسحاق: وإنما أمر ابن ادم فيما يبنه وبين عدو الله، كأمره يما بنيه وبين آدم، فقال الله: (اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) (1). ثم خلص إلى آدم وزوجته حتى كلمهما، كما قص الله علينا من خبرهما، قال: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) (2) فخلص إليهما بما خلص إلى ذريته من حيث لا يريانه، والله أعلم أي ذلك كان، فتابا إلى ربهما.
قال أبو جعفر: وليس في يقين ابن إسحاق لو كان قد أيقن في نفسه أن إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به ما يجوز لذي فهم الاعتراض به على ما ورد من القول مستفيضا من أهل العلم مع دلالة الكتاب على صحة ما استفاض من ذلك بينهم، فكيف بشكه؟ والله نسأل التوفيق.
القول في تأويل قوله تعالى: (فأخرجهما مما كانا فيه).
قال أبو جعفر: وأما تأويل قوله: (فأخرجهما) فإنه يعني: فأخرج الشيطان آدم وزوجته مما كانا، يعني مما كان فيه آدم وزوجته من رغد العيش في الجنة، وسعة نعيمها الذي كانا فيه. وقد بينا أن الله جل ثناؤه إنما أضاف اخراجهما من الجنة إلى الشيطان، وإن كان الله هو المخرج لهما، لان خروجهما منها كان عن سبب من الشيطان، وأضيف ذلك إليه لتسبيبه إياه كما يقول القائل لرجل وصل إليه منه أذى حتى تحول نم أجله عن موضع كان يسكنه: ما حولني من موضعي الذي كنت فيه إلا أنت، ولم يكن منه له تحويل، ولكنه لما كان تحوله عن سبب منه جاز له إضافة تحويله إليه.
القول في تأويل قوله تعالى: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو).
قال أبو جعفر: يقال هبط فلان أرض كذا ووادي كذا: إذا حل ذلك، كما قال الشاعر (3):
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت * أيدي الركاب بهم من راكس فلقا (4)