وتكتموا عند ذلك مجزوما بما جزم به تلبسوا عطفا عليه. والوجه الآخر منهما أن يكون النهي من الله جل ثناؤه لهم عن أن يلبسوا الحق بالباطل، ويكون قوله: وتكتموا الحق خبرا منه عنهم بكتمانهم الحق الذي يعلمونه، فيكون قوله: وتكتموا حينئذ منصوبا، لانصرافه عن معنى قوله: ولا تلبسوا الحق بالباطل إذ كان قوله: ولا تلبسوا نهيا، وقوله: وتكتموا الحق خبرا معطوفا عليه غير جائز أن يعاد عليه ما عمل في قوله: تلبسوا من الحرف الجازم، وذلك هو المعنى الذي يسميه النحويون صرفا.
ونظير ذلك في المعنى والاعراب قول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم فنصب تأتي على التأويل الذي قلنا في قوله: وتكتموا الآية، لأنه لم يرد: لا تنه عن خلق ولا تأت مثله، وإنما معناه: لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله. فكان الأول نهيا والثاني خبرا، فنصب الخبر إذ عطفه على غير شكله.
فأما الوجه الأول من هذين الوجهين اللذين ذكرنا أن الآية تحتملهما، فهو على مذهب ابن عباس الذي:
حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قوله: وتكتموا الحق يقول: ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وتكتموا الحق: أي ولا تكتموا الحق.
وأما الوجه الثاني منهما فهو على مذهب أبي العالية ومجاهد.
حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: وتكتموا الحق وأنتم تعلمون قال: كتموا بعث محمد (ص)