أخبر الله عنه أنه قالها متنصلا بقيلها إلى ربه معترفا بذنبه، وهو قوله: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وليس ما قاله من خالف قولنا هذا من الأقوال التي حكيناها بمدفوع قوله، ولكنه قول لا شاهد عليه من حجة يجب التسليم لها فيجوز لنا إضافته إلى آدم، وأنه مما تلقاه من ربه عند إنابته إليه من ذنبه.
وهذا الخبر الذي أخبر الله عن آدم من قيله الذي لقاه إياه فقاله تائبا إليه من خطيئته، تعريف منه جل ذكره جميع المخاطبين بكتابه كيفية التوبة إليه من الذنوب، وتنبيه للمخاطبين بقوله: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم على موضع التوبة مما هم عليه من الكفر بالله، وأن خلاصهم مما هم عليه مقيمون من الضلالة نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته مع تذكيره إياهم به السالف إليهم من النعم التي خص بها أباهم آدم وغيره من آبائهم.
القول في تأويل قوله تعالى: فتاب عليه.
قال أبو جعفر: وقوله: فتاب عليه يعني على آدم، والهاء التي في عليه عائدة على آدم. وقوله: فتاب عليه يعني رزقه التوبة من خطيئته. والتوبة معناها الإنابة إلى الله والأوبة إلى طاعته مما يكره من معصيته.
القول في تأويل قوله تعالى (إنه هو التواب الرحيم قلنا اهبطوا منها جميعا) قال أبو جعفر وتأويل قوله: إنه هو التواب الرحيم أن الله جل ثناؤه هو التواب على من تاب إليه من عباده المذنبين من ذنوبه التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه.
وقد ذكرنا أن معنى التوبة من العبد إلى ربه: إنابته إلى طاعته، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان عليها مقيما مما يكرهه ربه، فكذلك توبة الله على عبده هو أن يرزقه ذلك، ويؤب من غضبه عليه إلى الرضا عنه، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه.
وأما قوله: الرحيم فإنه يعني أنه المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة، ورحمته إياه إقالة عثرته وصفحه عن عقوبة جرمه.