حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم لما تركوا من الحق بعد معرفته.
وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: ثم قال يعني قال الله في أسماعهم يعني أسماع المنافقين وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس: ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم.
قال أبو جعفر: وإنما معنى قوله: لذهب بسمعهم وأبصارهم لأذهب سمعهم وأبصارهم، ولكن العرب إذا أدخلوا الباء في مثل ذلك قالوا: ذهبت ببصره، وإذا حذفوا الباء قالوا: أذهبت بصره، كما قال جل ثناؤه: آتنا غداءنا ولو أدخلت الباء في الغداء لقيل: ائتنا بغدائنا.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: لذهب بسمعهم فوحد، وقال:
وأبصارهم فجمع؟ وقد علمت أن الخبر في السمع خبر عن سمع جماعة، كما الخبر في الابصار خبر عن أبصار جماعة؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعض نحويي الكوفي: وحد لسمع لأنه عنى به المصدر وقصد به الخرق، وجمع الابصار لأنه عنى به الأعين. وكان بعض نحويي البصرة يزعم أن السمع وإن كان في لفظ واحد فإنه بمعنى جماعة، ويحتج في ذلك بقول الله: لا يرتد إليهم طرفهم يريد لا ترتد إليهم أطرافهم، وبقوله: ويولون الدبر يراد به أدبارهم. وإنما جاز ذلك عندي لان في الكلام ما يدل على أنه مراد به الجمع، فكان فيه دلالة على المراد منه، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنيا عن جماعه، ولو فعل بالبصر نظير الذي فعل بالسمع، أو فعل بالسمع نظير الذي فعل بالابصار من الجمع والتوحيد، كان فصيحا صحيحا لما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا * فإن زماننا زمن خميص