وكان قتادة وابن جريج يتأولان قوله: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) أن ذلك من الله جل ثناؤه صفة للمنافقين بالهلع، وضعف القلوب، وكراهة الموت، ويتأولان في ذلك قوله: (يحسبون كل صيحة عليهم) (1). وليس الامر في ذلك عندي كالذي قالا. وذلك أنه قد كان فيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته كقزمان الذي لم يقم مقامه أحد من المؤمنين بأحد أو دونه. وإنما كانت كراهتهم شهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم معاونته على أعدائه، لأنهم لم يكونوا في أديانهم مستبصرين ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين، فكانوا للحضور معه مشاهده كارهين، إلا بالتخذيل (2) عنه.
ولكن ذلك وصف من الله جل ثنائهم لهم بالاشفاق من حلول عقوبة الله بهم على نفاقهم، إما عاجلا، وإما آجلا.
ثم أخبر جل ثناؤه أن المنافقين الذين نعتهم النعت الذي ذكر وضرب لهم الأمثال التي وصف وإن اتقوا عقابه وأشفقوا عذابه إشفاق الجاعل في أذنيه أصابعه حذار حلول الوعيد الذي توعدهم به في آي كتابه، غير منجيهم ذلك من نزوله بعقوتهم (3) وحلوله بساحتهم، إما عاجلا في الدنيا، وإما آجلا في الآخرة، للذي في قلوبهم من مرضها والشك في اعتقادها، فقال: (والله محيط بالكافرين) بمعنى جامعهم فمحل بهم عقوبته.
وكان مجاهد يتأول ذلك كما:
391 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميمون، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (والله محيط بالكافرين) قال: جامعهم في جهنم.
وأما ابن عباس فروي عنه في ذلك ما:
392 - حدثني به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (والله محيط بالكافرين) يقول: الله منزل ذلك بهم من النقمة.
* - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج ابن جريج، عن