في آذانهم من الصواعق حذر الموت) يعني بذلك يتقون وعيد الله الذي أنزله بفي كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الاقرار، كما يتقي الخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها حذرا على نفسه منها.
وقد ذكرنا الخبر الذي روي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقولان: إن المنافقين كانوا إذا حضروا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شئ، أو يذكروا بشئ فيقتلوا. فإن كان ذلك صحيحا، ولست أعلمه صحيحا، إذ كنت بإسناده مرتابا، فإن القول الذي روي عنهما هو القول. وإن يكن غير صحيح، فأولى بتأويل الآية ما قلنا، لان الله إنما قص علينا من خبرهم في أول مبتدأ قصصهم أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم آمنا بالله وباليوم الاخر، مع شك قصصهم أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم آمنا بالله وباليوم الاخر، مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم في حقيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون مما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم، وبذلك وصفهم في جميع آي القرآن التي ذكر فيها صفتهم. فكذلك ذلك في هذه الآية.
وإنما جعل الله إدخالهم أصابعهم في آذانهم مثلا لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما ذكرنا أنهم يتقون به كما يتقي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه في أذنيه. وذلك من المثل نظير تمثيل الله جل ثناؤه ما أنزل فيهم من الوعيد في آي كتابه بأصوات الصواعق، وكذلك قوله: (حذر الموت) جعله جل ثناؤه مثلا لخوفهم وإشفاقهم من حلول عاجل العقاب المهلك الذي توعده بساحتهم، كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه في أذنيه حذر العطب والموت على نفسه أن تزهق من شدتها. وإنما نصب قوله: (حذر الموت) على نحو ما تنصب به التكرمة في قولك: زرتك تكرمة لك، تريد بذلك: من أجل تكرمتك، وكما قال جل ثناؤه: (ويدعوننا رغبا ورهبا) (1) على التفسير للفعل (2). وقد روي عن قتادة أنه كان يتأول قوله: (حذر الموت): حذرا من الموت.
390 - حدثنا بذلك الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر عنه.
وذلك مذهب من التأويل ضعيف، لان القوم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حذرا من الموت فيكون معناه ما قال إنه مراد به حذرا من الموت، وإنما جعلوها من حذار الموت في آذانهم.