استنصروا واستعينوا، كما قال الشاعر:
فلما التقت فرساننا ورجالهم * دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر يعني بقوله: دعوا يا لكعب: استنصروا كعبا واستعانوا بهم.
وأما الشهداء فإنها جمع شهيد، كالشركاء جمع شريك، والخطباء جمع خطيب.
والشهيد يسمى به الشاهد على الشئ لغيره بما يحقق دعواه، وقد يسمى به المشاهد للشئ كما يقال فلان جليس فلان، يعني به مجالسه، ونديمه يعني به منادمه، وكذلك يقال:
شهيده يعني به مشاهده. فإذ كانت الشهداء محتملة أن تكون جمع الشهيد الذي هو منصرف للمعنيين اللذين وصفت، فأولى وجهيه بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن يكون معناه: واستنصروا على أن تأتوا بسورة من مثله أعوانكم وشهداءكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيبكم الله ورسوله ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم إن كنتم محقين في جحودكم أن ما جاءكم به محمد (ص) اختلاق وافتراء، لتمتحنوا أنفسكم وغيركم: هل تقدرون على أن تأتوا بسورة من مثله، فيقدر محمد على أن يأتي بجميعه من قبل نفسه اختلاقا؟
وأما ما قاله مجاهد وابن جريج في تأويل ذلك فلا وجه له لان القوم كانوا على عهد رسول الله (ص) أصنافا ثلاثة: أهل إيمان صحيح، وأهل كفر صحيح، وأهل نفاق بين ذلك.
فأهل الايمان كانوا بالله وبرسوله مؤمنين، فكان من المحال أن يدعي الكفار أن لهم شهداء على حقيقة ما كانوا يأتون به لو أتوا باختلاق من الرسالة، ثم ادعوا أنه للقرآن نظير من المؤمنين. فأما أهل النفاق والكفر فلا شك أنهم لو دعوا إلى تحقيق الباطل وإبطال الحق لسارعوا إليه مع كفرهم وضلالهم، فمن أي الفريقين كانت تكون شهداؤهم لو ادعوا أنهم قد أتوا بسورة من مثل القرآن؟ ولكن ذلك كما قال جل ثناؤه: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فأخبر جل ثناؤه في هذه الآية أن مثل القرآن لا يأتي به الجن والإنس ولو تظاهروا وتعاونوا على الاتيان به وتحداهم بمعنى التوبيخ لهم في سورة البقرة، فقال تعالى: وإن كنتم في ريب مما