استسرارهم الكفر، مثل إضاءة موقد النار بضوء ناره على ما وصف جل ثناؤه من صفته، أو كمثل مطر مظلم ودقه (1) تحدر من السماء تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة، وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه.
فإن قال لنا قائل: أخبرنا عن هذين المثلين، أهما مثلان للمنافقين أو أحدهما؟ فإن يكونا مثلين للمنافقين فكيف قيل: (أو كصيب)، و " أو " تأتي بمعنى الشك في الكلام، ولم يقل: وكصيب، بالواو التي تلحق المثل الثاني بالمثل الأول؟ أو يكون مثل القوم أحدهما، فما وجه ذكر الاخر ب " أو "، وقد علمت أن " أو " إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشك من المخبر فيما أخبر عنه، كقول القائل: لقيني أخوك أو أبوك، وإنما لقيه أحدهما، ولكنه جهل عنين الذي لقيه منهما، مع علمه أن أحدهما قد لقيه، وغير جائز في الله جل ثناؤه أن يضاف إليه الشك في شئ أو عزوب علم شئ عنه فيما أخبر أو ترك الخبر عنه، قيل له: إن الامر في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه، و " أو " وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشك، فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدل عليه الواو إما بسابق من الكلام قبلها، وإما بما يأتي بعدها كقول توبة بن الحمير:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر * لنفسي تقاها أو عليها فجورها ومعلوم أن ذلك من توبة على غير وجه الشك فيما قال. ولكن لما كانت " أو " في هذا الموضع دالة على مثل الذي كانت تدل عليه الواو لو كانت مكانها، وضعها موضعها.
وكذلك قول جرير:
جاء الخلافة أو كانت له قدرا * كما أتى به موسى على قدر (2) وكما قال الاخر:
فلو كان البكاء يرد شيئا * بكيت على جبير أو عناق على المرأين إذ مضيا جميعا * لشأنهما بحزن واشتياق (3)