دون أعيان أجسامهم حسن حذف ذكر الاستضاءة وإضافة المثل إلى أهله. والمقصود بالمثل ما ذكرنا، فلما وصفنا جاز وحسن قوله: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) ويشبه مثل الجماعة في اللفظ بالواحد، إذ كان المراد بالمثل الواحد في المعنى، وأما إذا أريد تشبيه الجماعة من أعيان بني آدم أو أعيان ذوي الصور والأجسام بشئ، فالصواب من الكلام تشبيه الجماعة بالجماعة والواحد بالواحد، لان عين كل واحد منهم غير أعيان الآخرين.
ولذلك من المعنى افترق القول في تشبيه الأفعال والأسماء، فجاز تشبيه أفعال الجماعة من الناس وغيرهم إذا كانت بمعنى واحد بفعل واحد، ثم حذف أسماء الأفعال، وإضافة المثل والتشبيه إلى الذين لهم الفعل، فيقال: ما أفعالكم إلا كفعل الكلب، ثم يحذف فيقال: ما أفعالكم إلا كالكلب أو كالكلاب، وأنت تعني: إلا كفعل الكلب، وإلا كفعل الكلاب. ولم يجز أن تقول: ما هم إلا نخلة، وأنت تريد تشبيه أجسامهم بالنخل في الطول والتمام. وأما قوله: (استوقد نارا) فإنه في تأويل أوقد، كما قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذلك مجيب (1) يريد: فلم يجبه، فكان معنى الكلام إذا مثل استضاءة هؤلاء المنافقين - في إظهارهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم من قولهم: (آمنا بالله واليوم الآخر) وصدقنا بمحمد، وبما جاء به، وهم للكفر مستبطنون - فيما الله فاعل بهم، مثل استضاءة موقد نار بناره حتى أضاءت له النار ما حوله، يعني ما حول المستوقد.
وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن " الذي " في قوله: (كمثل الذي استوقد نارا) بمعنى " الذين " كما قال جل ثناؤه: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) (2). وكما قال الشاعر (3):