يعني بالشراة: المختارة. وقال آخر في مثل ذلك:
إن الشراة روقة الأموال * وحزرة القلب خيار المال قال أبو جعفر: وهذا وإن كان وجها من التأويل فلست له بمختار، لان الله جل ثناؤه قال فما ربحت تجارتهم فدل بذلك على أن معنى قوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى معنى الشراء الذي يتعارفه الناس من استبدال شئ مكان شئ وأخذ عوض على عوض.
وأما الذين قالوا: إن القوم كانوا مؤمنين وكفروا، فإنه لا مؤنة عليهم لو كان الامر على ما وصفوا به القوم لان الامر إذا كان كذلك فقد تركوا الايمان، واستبدلوا به الكفر عوضا من الهدى. وذلك هو المعنى المفهوم من معاني الشراء والبيع، ولكن دلائل أول الآيات في نعوتهم إلى آخرها دالة على أن القوم لم يكونوا قط استضاءوا بنور الايمان ولا دخلوا في ملة الاسلام، أو ما تسمع الله جل ثناؤه من لدن ابتدأ في نعتهم إلى أن أتى على صفتهم إنما وصفهم بإظهار الكذب بألسنتهم بدعواهم التصديق بنبينا محمد (ص) وبما جاء به، خداعا لله ولرسوله وللمؤمنين عند أنفسهم واستهزاء في نفوسهم بالمؤمنين، وهم لغير ما كانوا يظهرون مستبطنون، لقول الله جل جلاله: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) * ثم اقتص قصصهم إلى قوله: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فأين الدلالة على أنهم كانوا مؤمنين فكفروا؟.
فإن كان قائل هذه المقالة ظن أن قوله: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى هو الدليل على أن القوم قد كانوا على الايمان فانتقلوا عنه إلى الكفر، فلذلك قيل لهم:
اشتروا فإن ذلك تأويل غير مسلم له، إذ كان الاشتراء عند مخالفيه قد يكون أخذ شئ بترك آخر غيره، وقد يكون بمعنى الاختيار وبغير ذلك من المعاني. والكلمة إذا احتملت وجوها لم يكن لاحد صرف معناها إلى بعض وجوهها دون بعض إلا بحجة يجب التسليم لها.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى عندي بتأويل الآية ما روينا عن ابن عباس وابن مسعود من تأويلهما قوله: اشتروا الضلالة بالهدى أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. وذلك