علمت أن الهاء والميم من قوله: (مثلهم) كناية جماعة من الرجال أو الرجال والنساء.
" والذي " دلالة على واحد من الذكور؟ فكيف جعل الخبر عن واحد مثلا لجماعة؟ وهلا قيل: مثلهم كمثل الذين استوقدوا نارا! وإن جاز عندك أن تمثل الجماعة بالواحد فتجيز لقائل رأى جماعة من الرجال فأعجبته صورهم وتمام خلقهم وأجسامهم أن يقول: كأن هؤلاء، أو كان أجسام هؤلاء، نخلة!!.
قيل: أما في المواضع الذي مثل ربنا جل ثناؤه جماعة من المنافقين بالواحد الذي جعله لأفعالهم مثلا فجائز حسن، وفي نظائره كما قال جل ثناؤه في نظير ذلك: (تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) (1) يعني كدوران عين الذي يعشي عليه من الموت، وكقوله: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) (2) بمعنى إلا كبعث نفس واحدة.
وأما في تمثيل أجسام الجماعة من الرجال في طول وتمام الخلق بالواحدة من النخيل، فغير جائز ولا في نظائره لفرق بينهما.
فاما تمثيل الجماعة من المنافقين بالمستوقد الواحد، فإنما جاز لان المراد من الخبر عن مثل المنافقين الخبر عن مثل استضاءتهم بما أظهروا بألسنتهم من الاقرار وهم لغيره مستبطنون من اعتقاداتهم الرديئة، وخلطهم نفاقهم الباطن بالاقرار بالايمان الظاهر.
والاستضاءة وان اختلفت أشخاص أهلها معنى واحد لا معان مختلفة. فالمثل لها في معنى المثل للشخص الواحد من الأشياء المختلفة الاشخاص. وتأويل ذلك: مثل استضاءة المنافقين بما أظهروه من الاقرار بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به قولا وهم به مكذبون اعتقادا، كمثل استضاءة الموقد نارا، ثم أسقط ذكر الاستضاءة وأضيف المثل إليهم، كما قال نابغة بني جعدة:
وكيف تواصل من أصبحت * خلالته كأبي مرحب (3).
يريد كخلالة أبي مرحب، فأسقط " خلالة "، إذ كان فيما أظهر من الكلام دلالة لسامعيه على ما حذف منه. فكذلك القول في قوله: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) لما كان معلوما عند سامعيه بما أظهر من الكلام أن المثل إنما ضرب لاستضاءة القوم بالاقرار