أن كل كافر بالله فإنه مستبدل بالايمان كفرا باكتسابه الكفر الذي وجد منه بدلا من الايمان الذي أمر به. أو ما تسمع الله جل ثناؤه يقول فيمن اكتسب كفرا به مكان الايمان به وبرسوله: ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل وذلك هو معنى الشراء، لان كل مشتر شيئا فإنما يستبدل مكان الذي يؤخذ منه من البدل آخر بدلا منه، فكذلك المنافق والكافر استبدلا بالهدى الضلالة والنفاق، فأضلهما الله وسلبهما نور الهدى فترك جميعهم في ظلمات لا يبصرون.
القول في تأويل قوله تعالى: فما ربحت تجارتهم.
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك أن المنافقين بشرائهم الضلالة بالهدى خسروا ولم يربحوا، لان الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به. فأما المستبدل من سلعته بدلا دونها ودون الثمن الذي يبتاعها به فهو الخاسر في تجارته لا شك. فكذلك الكافر والمنافق لأنهما اختارا الحيرة والعمى على الرشاد والهدى والخوف والرعب على الحفظ والأمن، فاستبدلا في العاجل بالرشاد الحيرة، وبالهدى الضلالة، وبالحفظ الخوف، وبالأمن الرعب مع ما قد أعد لهما في الآجل من أليم العقاب وشديد العذاب، فخابا وخسرا، ذلك هو الخسران المبين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان قتادة يقول.
325 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الامن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما وجه قوله: فما ربحت تجارتهم وهل التجارة مما تربح أو تنقص فيقال ربحت أو وضعت؟ قيل: إن وجه ذلك على غير ما ظننت وإنما معنى ذلك: فما ربحوا في تجارتهم لا فيما اشتروا ولا فيما شروا. ولكن الله جل ثناؤه خاطب بكتابه عربا فسلك في خطابه إياهم وبيانه لهم مسلك خطاب بعضهم بعضا وبيانهم المستعمل بينهم. فلما كان فصيحا لديهم قول القائل لآخر: خاب سعيك، ونام ليلك، وخسر بيعك، ونحو ذلك من الكلام الذي لا يخفى على سامعه ما يريد قائله خاطبهم