قال أبو جعفر: فكأن الذين قالوا في تأويل ذلك: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وجهوا معنى الشراء إلى أنه أخذ المشتري مكان الثمن المشترى به، فقالوا: كذلك المنافق والكافر قد أخذا مكان الايمان الكفر، فكان ذلك منهما شراء للكفر والضلالة اللذين آخذاهما بتركهما ما تركا من الهدى، وكان الهدى الذي تركاه هو الثمن الذي جعلاه عوضا من الضلالة التي أخذاها.
وأما الذين تأولوا أن معنى قوله: اشتروا: استحبوا، فإنهم لما وجدوا الله جل ثناؤه قد وصف الكفار في موضع آخر فنسبهم إلى استحبابهم الكفر على الهدى، فقال:
وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى صرفوا قوله: اشتروا الضلالة بالهدى إلى ذلك وقالوا: قد تدخل الباء مكان على، وعلى مكان الباء، كما يقال:
مررت بفلان ومررت على فلان بمعنى واحد، وكقول الله جل ثناؤه: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك أي: على قنطار. فكان تأويل الآية على معنى هؤلاء: أولئك الذين اختاروا الضلالة على الهدى. وأراهم وجهوا معنى قول الله جل ثناؤه: اشتروا إلى معنى اختاروا، لان العرب تقول: اشتريت كذا على كذا، واشتريته يعنون اخترته عليه.
ومن الاشتراء قول أعشى بني ثعلبة:
فقد أخرج الكاعب المشتراة * من خدرها وأشيع القمارا يعني بالمشتراة: المختارة. وقال ذو الرمة في الاشتراء بمعنى الاختيار:
يذب القصايا عن شراة كأنها * جماهير تحت المدجنات الهواضب