من الكذب والإفك، وأن خداعهم نافعهم هنالك نفعه إياهم في الدنيا. حتى عاينوا من أمر الله ما أيقنوا به أنهم كانوا من ظنونهم في غرور وضلال، واستهزاء بأنفسهم وخداع، إذ أطفأ الله نورهم يوم القيامة فاستنظروا المؤمنين ليقتبسوا من نورهم، فقيل لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا واصلوا سعيرا. فذلك حين ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، كما انطفأت نار المستوقد النار بعد إضاءتها له، فبقي في ظلمته حيران تائها، يقول الله جل ثناؤه: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) (1).
فان قال لنا قائل: إنك ذكرت ان معنى قول الله تعالى ذكره: (كمثل الذي استوقد نارا فلما أضائت ما حوله): خمدت وانطفأت، وليس ذلك بموجود في القران، فما دلالتك على أن ذلك معناه؟ قيل قد قلنا إن من شان العرب الايجاز والاختصار إذا كان فيما نطقت به الدلالة الكافية على ما حذفت وتركت، كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
عصيت إليها القلب إني لأمرها * سميع فما أدري أرشد طلابها (2) يعني بذلك: فما أدري أرشد طلابها أم غي، فحذف ذكر " أم غي "، إذ كان فيما نطق به الدلالة عليها. وكما قال ذو الرمة في نعت حمير: