الجواب، كقول الرجل لمن كان يخدعه إذا ظفر به: أنا الذي خدعتك ولم تكن منه خديعة، ولكن قال ذلك إذ صار الامر إليه. قالوا: وكذلك قوله: * (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) * والله يستهزئ بهم على الجواب، والله لا يكون منه المكر ولا الهزء.
والمعنى: أن المكر والهزء حاق بهم.
وقال آخرون: قوله: * (إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم) * وقوله: * (يخادعون الله وهو خادعهم) * وقوله: * (فيسخرون منهم سخر الله منهم ونسوا الله فنسيهم) * وما أشبه ذلك، إخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع. فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ وإن اختلف المعنيان، كما قال جل ثناؤه: وجزاء سيئة سيئة مثلها ومعلوم أن الأولى من صاحبها سيئة إذ كانت منه لله تبارك وتعالى معصية، وأن الأخرى عدل لأنها من الله جزاء للعاصي على المعصية. فهما وإن اتفق لفظاهما مختلفا المعنى. وكذلك قوله: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) *. فالعدوان الأول ظلم، والثاني جزاء لا ظلم، بل هو عدل لأنه عقوبة للظالم على ظلمه وإن وافق لفظه لفظ الأول. وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك مما هو خبر عن مكر الله عز وجل بقوم، وما أشبه ذلك.
وقال آخرون: إن معنى ذلك أن الله عز وجل أخبر عن المنافقين أنهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا: إنا معكم على دينكم في تكذيب محمد (ص) وما جاء به، وإنما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم صدقنا بمحمد عليه الصلاة والسلام وما جاء به مستهزءون. يعنون: إنا نظهر لهم ما هو عندنا باطل لا حق ولا هدى. قالوا: وذلك هو معنى من معاني الاستهزاء.