وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك كان ابن زيد يقول.
268 - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألت عبد الرحمن بن زيد، عن قول الله جل ذكره: يخادعون الله والذين آمنوا إلى آخر الآية، قال: هؤلاء المنافقون يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا، أنهم مؤمنون بما أظهروا.
وهذه الآية من أوضح الدليل على تكذيب الله جل ثناؤه قول الزاعمين: إن الله لا يعذب من عباده إلا من كفر به عنادا، بعد علمه بوحدانيته، وبعد تقرر صحة ما عاند ربه تبارك وتعالى عليه من توحيده والاقرار بكتبه ورسله عنده لان الله جل ثناؤه قد أخبر عن الذين وصفهم بما وصفهم به من النفاق وخداعهم إياه والمؤمنين أنهم لا يشعرون أنهم مبطلون فيما هم عليه من الباطل مقيمون، وأنهم بخداعهم الذي يحسبون أنهم به يخادعون ربهم وأهل الايمان به مخدوعون. ثم أخبر تعالى ذكره أن لهم عذابا أليما بتكذيبهم بما كانوا يكذبونه من نبوة نبيه واعتقاد الكفر به، وبما كانوا يكذبون في زعمهم أنهم مؤمنون، وهم على الكفر مصرون.
فإن قال لنا قائل: قد علمت أن المفاعلة لا تكون إلا من فاعلين، كقولك: ضاربت أخاك، وجالست أباك إذا كان كل واحد مجالس صاحبه ومضاربه. فأما إذا كان الفعل من أحدهما فإنما يقال: ضربت أخاك وجلست إلى أبيك، فمن خادع المنافق فجاز أن يقال فيه: خادع الله والمؤمنين. قيل: قد قال بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب: إن ذلك حرف جاء بهذه الصورة، أعني يخادع بصورة يفاعل وهو بمعنى يفعل في حروف أمثالها شاذة من منطق العرب، نظير قولهم: قاتلك الله، بمعنى قتلك الله.
وليس القول في ذلك عندي كالذي قال، بل ذلك من التفاعل الذي لا يكون إلا من اثنين كسائر ما يعرف من معنى يفاعل ومفاعل في كل كلام العرب، وذلك أن المنافق يخادع الله جل ثناؤه بكذبه بلسانه على ما قد تقدم وصفه، والله تبارك اسمه خادعه بخذلانه عن حسن البصيرة بما فيه نجاة نفسه في آجل معاده، كالذي أخبر في قوله: * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * وبالمعنى الذي أخبر أنه فاعل به في الآخرة بقوله: * (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم) * الآية، فذلك نظير سائر ما يأتي من معاني الكلام بيفاعل ومفاعل.