باطلاعه على ضميره، وأن إمهال مستدرجه وتركه إياه معاقبته على جرمه ليبلغ المخاتل المخادع من استحقاقه عقوبة مستدرجه بكثرة إساءته وطول عصيانه إياه وكثرة صفح المستدرج وطول عفوه عنه أقصى غاية، فإنما هو خادع نفسه لا شك دون من حدثته نفسه أنه له مخادع. ولذلك نفى الله جل ثناؤه عن المنافق أن يكون خدع غير نفسه، إذ كانت الصفة التي وصفنا صفته. وإذ كان الامر على ما وصفنا من خداع المنافق ربه وأهل الايمان به، وأنه غير سائر بخداعه ذلك إلى خديعة صحيحة إلا لنفسه دون غيرها لما يورطها بفعله من الهلاك والعطب، فالواجب إذا أن يكون الصحيح من القراءة: وما يخدعون إلا أنفسهم دون: وما يخادعون، لان لفظ المخادع غير موجب تثبيت خديعة على صحة، ولفظ خادع موجب تثبيت خديعة على صحة. ولا شك أن المنافق قد أوجب خديعة الله عز وجل لنفسه بما ركب من خداعه ربه ورسوله والمؤمنين بنفاقه، فلذلك وجبت الصحة لقراءة من قرأ: وما يخدعون إلا أنفسهم.
ومن الدلالة أيضا على أن قراءة من قرأ: وما يخدعون أولى بالصحة من قراءة من قرأ: وما يخادعون أن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم يخادعون الله والمؤمنين في أول الآية، فمحال أن ينفي عنهم ما قد أثبت أنهم قد فعلوه، لان ذلك تضاد في المعنى، وذلك غير جائز من الله عز وجل.
القول في تأويل قوله تعالى: وما يشعرون.
يعني بقوله جل ثناؤه: وما يشعرون: وما يدرون، يقال: ما شعر فلان بهذا الامر، وهو لا يشعر به إذا لم يدر ولم يعلم شعرا وشعورا، كما قال الشاعر:
عقوا بسهم ولم يشعر به أحد * ثم استفاؤوا وقالوا حبذا الوضح يعني بقوله: لم يشعر به: لم يدر به أحد ولم يعلم. فأخبر الله تعالى ذكره عن المنافقين، أنهم لا يشعرون بأن الله خادعهم بإملائه لهم واستدراجه إياهم الذي هو من الله جل ثناؤه إبلاغ إليهم في الحجة والمعذرة، ومنهم لأنفسهم خديعة، ولها في الآجل مضرة.
كالذي:
269 - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت ابن زيد عن قوله: وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون قال: ما يشعرون أنهم ضروا أنفسهم بما