وأما ما استدل به أو يمكن الاستدلال به على أن الراسخين في العلم أيضا يعلمون بالتأويل - عدا عما روي عن ابن عباس، وعدا عن دلالة الآية نفسها لمعارضة الرواية والمناقشة في دلالة الآية بما تقدم - هو الأحاديث الكثيرة، نذكر على سبيل المثال:
1 - ما في تفسير النعماني عن علي (عليه السلام): وكانت الشيعة إذا فرغوا من أعمالهم سألوه عن كل قسم فيخبرهم، فكان من ذلك سؤالهم عن المحكم والمتشابه، فأجابهم (عليه السلام) فقال - في جملة ما قال -: لما أردت قتل الخوارج بعد أن أرسلت إليهم ابن عباس لإقامة الحجة عليهم قلت: يا معشر الخوارج، أنشدكم الله، ألستم تعلمون أن في القرآن ناسخا ومنسوخا، ومحكما ومتشابها، وخاصا وعاما؟ قالوا:
اللهم نعم، فقلت: اللهم اشهد عليهم، ثم قلت: أنشدكم الله، هل تعلمون ناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه؟ قالوا: اللهم لا، قلت: أنشدكم الله، هل تعلمون أني أعلم ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وعامه وخاصه؟
قالوا: اللهم نعم... الحديث (1).
وقد كان ذلك منه (عليه السلام) بعد أن مثل لهم للمتشابه بقوله " وذلك مثل قوله عز وجل * (يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) * (2) فنسب الضلالة إلى نفسه في هذا الموضع، وهذا ضلالهم عن طريق الجنة بفعلهم، ونسبه إلى الكفار في موضع آخر، ونسبه إلى الأصنام في آية أخرى. فمعنى الضلالة على وجوه، فمنه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، ومنه ما ليس بمحمود ولا مذموم، ومنه ضلال النسيان " ثم بين (عليه السلام) مواردها تفصيلا.
فيفهم من هذا الحديث أنه (عليه السلام) كان يعرف تأويل المتشابهات ومعانيها، وقد فسر لأصحابه أحد أفراد المتشابه وهو " الضلال " في القرآن.
2 - ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)